بقلم د/ عبدالرحمن بن عبدالله المشيقح
عضو مجلس الشورى السعودي السابق
ورئيس مجلس أمناء كليات القصيم الاهلية
يطالعنا المشهد الكوني بعظيم نسقه وبديع خلقه ودقة صنعه من اتزان واتساق وتلاحم بيئي وتعاون وتعاضد مما يجعل كمال الصنع ماثلا للعيان فسبحان من أفاض على خلقه من النعم وأسبغ على عبادة نعمه الظاهرة والباطنة وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه وسخر لهم البر والبحر والشمس والقمر والليل والنهار مدعاة للتفكر والتدبر رسوخا ويقينا في قلوب أولي النهى من العباد.
إن التعرف إلى الخالق أمر شغل به الإنسان حيث يدفعه إلى ذلك شعور خفي من فطرة كامنة فيه فالإنسان منذ أن خلقه الله لا يقنع من الحياة بمظاهر أشكالها وألوانها بل يتناولها بعقله وتنقلها إليه حواسه وينفعل بها شعوره وينفذ إليها ببصيرته وأخذ الإنسان صوراً وأشكالاً مختلفة تختلف باختلاف استعداده الفكري وما يحيط به من ظروف الحياة على الأرض فلكل إنسان مبلغه من العلم فالتطلع إلى ملكوت السموات والأرض وإلى البحر في سعته وامتداده وما يحويه من مخلوقات ، واليابسة وما عليها من مختلف الكائنات التي تعيش في وديان وهضاب وجبال وثلوج وصحراء في ظروف مناخيه متغايرة فإنها تدل على الخالق العظيم الذي لو أمعنا تركيزاً بحواسنا وأفكارنا وعقولنا لادركنا بعض من حقائق الأشياء في هذا الكون الفسيح.
فهو طريق مفضي لمعرفة قدره الله ووحدانيته ويرجع إلى القلب الطمأنينة والسكينة فالإيمان بالله عن طريق هذه الفطرة أمر سهل ميسور فالإسلام دين الفطرة ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) فالفطرة السليمة تعرف سبيلها إلى الله من أقرب السبل فيكفي النظر إلى الإنسان والحيوان والنباتات والأشجار وسائر الكائنات بألوانها وأحجامها وأشكالها وأعدادها ومعيشتها وتكاثرها وتلاؤمها للظروف البيئية التي تتواجد فيها فكل هذا كفيل لأن يوجد في العقل صورة ناطقة تدل على قدرة الخالق العظيم والذي تتجلي عظمته سبحانه في التكامل والاتزان البيئي في شتى البقاع وعلاقتها بالشمس والقمر والكون الفسيح لتمد القلب فيضاً بالإجلال لهذا الخالق البارئ المصور ليبلغ البصر من هذه المخلوقات في البر والبحر ليتكشف له من عجائب وأسرار .
فيقظة العقل حين يوجهه الإنسان إلى مظاهر الكون والبيئة التي يعيش فيها والواقعة تحت سمعه وبصره مستجيباً لنداء الحق في قوله سبحانه ” قل أنظروا ماذا في السموات والأرض ” وما يقع علية العلماء والباحثين ويكتشف من حقائق وأسرار فكل هذا من إبداع الخالق فكلما تكشفت للإنسان حقيقة من الحقائق وما سخر الله للإنسان من علم ومعرفة فكل هذا من عجائب حكمة الله تعالي في خلقه وما تستشعر به القلوب من العظمة لعلام الغيوب .
إن الطريق للبحث والمعرفة هو أن يعكف الإنسان على الملاحظة ما استطاع إلى ذلك سبيلا حتى إذا تجمع لديه من المعلومات ومن المشاهدات ما يتحتم عليه بهذا الأسلوب أن يصل إلى حقيقة من الحقائق تزيد من إيمانه وإذا ما نظرنا بهذا النمط في كتاب الله عز وجل لاهتدينا إلى الطريق المستقيم طريق الحق والنور فأول ما يدعونا إليه هو النظر إلى أنفسنا ومما خلقنا كما في قوله سبحانه ” فلينظر الإنسان مما خلق “ثم ننظر إلى الأرض وطعامنا وشرابنا مصداقاً لقول الحق جلا وعلا فلينظر الإنسان إلى طعامه وهكذا يدعونا الله سبحانه في كتابه الكريم في الكثير من الآيات
في النظر إلى مخلوقاته ” قل أنظروا ماذا في السموات والأرض “وللنظر إلى مخلوقاته ” أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت الآية ”
ثم تنتقل بنا الآيات لننظر ماذا بين السموات والأرض وما فيها من مخلوقات.
” وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون ”
وكل هذه الآيات دعوة إلى الملأ للنظر والمشاهدة التي لابد منها لمعرفة ما علمناه وما شاهدناها لتدل في النهاية على الإيمان بالله الخالق العظيم لكن دعوة الله عز وجل لا تقف عند هذا الحد ولكنها وسيلة ليطمئن كل مؤمن على ايمانه وليجد كل إنسان طريقه وسبيله وهكذا نجد أن عظمة الخالق تتجلي في التكامل والاتزان البيئي بشكل يدعو الإنسان للتبصر في مخلوقاته العديدة والمتباينة في البيئة التي يعيش فيها حيث يؤثر ويتأثر بها وهي دعوة الإنسان للعلم والإيمان إذ تزيد من أهتدي إيماناً حيث أن مخلوقات الله في صور عديدة ومتنوعة في أنواعها وأشكالها ووظائفها ومعيشتها وتكاثرها وتفاعلها مع البيئة التي تعيش فيها وعن استفادة الإنسان من هذه المخلوقات والموجودات المختلفة وكيف يحافظ عليها الإنسان كما جعلها الله سبحانه وتعالى لتكون في صورتها المتزنة التي أوجدها الخالق العظيم وان الإخلال في أحد عناصرها ومكوناتها يعود بالضرر علي البيئة في معناها الواسع التي نحن جزء منها .
إن هذا الكون على رحابة أرجائه وسعة أركانه قد خلقه الله بقدرته وبديع صنعه فهو غاية في الإتقان والإحكام فقد خلق الله السموات والأرض وما فيهن وما بينهن لتسبح بحمده .
فالإسلام بتعاليمه يقدم تصوراً كاملاً عن الكون والحياة وعلاقة عناصره ومكوناته بعضها ببعض وعلاقتها بالإنسان وعلاقة الإنسان بها فكل قد خلق بمقدار وكل شيء موزون فيخضع هذا الكون الفسيح بتكامل وتناغم ونظام يتسم بالدقة الهائلة و الاتزان .
لقد هيأ الله الأرض للإنسان ووفر له فيها سبل العيش الكريم وسن له الشرائع التي تكفل له الأمن وحسن التفاعل والتعامل ويسر له العلم والعمل . فالغرض من خلق الإنسان هو عبادة الله وحده لا شريك له .
فالكون كله من أصغر ذرة إلى اكبر مجرة هو من صنع الله الذي أتقن كل شئ فتبارك الله أحسن الخالقين .
لقد حث الإسلام على الانتفاع بالبيئة وعمارتها واستثمارها وحمايتها والمحافظة عليها وعدم الإسراف والتبذير والإفساد والهدر .
إلا أن التقدم الكبير الذي أحرزه الإنسان في هذا العصر في مجالات الصناعة والتقنيات كان له أثر بالغ في إحداث خلل وتدهور في مكونات البيئة وعناصرها حيث حصل تدهور في كثير من البيئات واستنزاف للموارد مما ترتب عليه مشاكل صحية وغذائية ومنها مشاكل شح المياه أو تلوثها فقد أوضحت دراسات عديدة العلاقة الوطيدة بين التلوث وإصابة الإنسان بالأمراض الخطيرة مثل السرطان والفشل الكلوي والفشل الكبدي وغيرها .
فأهم الملوثات التي ابتليت بها البيئة هي الأبخرة الصناعية الحامضية وغيرها وغبار المصانع والمناجم ومياه صرف المجاري والمبيدات الكيماوية والنفايات الصناعية الصلبة والسائلة .
والبيئة هي قضية الأمس واليوم والغد إذ أن التلوث بكافة أشكاله يؤثر على الأرض وخصوبتها وجمالها والمياه ونقائها واحيائها والغلاف الجوي بصفائه وعليل نسائمه.
لقد أحسن الله صنع مخلوقاته من إنسان وحيوان ونبات وجماد حيث يوجد توازن بين تلك الأحياء وبيئتها غاية في الدقة والإتقان والاتزان .
فالتصحر مثلا يعد خطبا بيئيا مفجعا .
إن مكونات التكامل والاتزان البيئي هي السلسلة الغذائية في البر والبحر وما بينهما ودورة الماء ودورة العناصر مثل الفسفور والنيتروجين والكبريت والكربون والاكسجين .
فأي إخلال بهذه الدورات البيوجيوكيميائية سوف يؤثر بشكل او بآخر على اتزان النظام البيئي.
من هنا علينا أن ندرك أنه من أهم أسباب تدهور النظام البيئي والإخلال في تكامله واتزانه هو الاحتطاب الجائر والرعي الجائر والصيد الجائر وتجريف الأراضي إضافة إلى ما ذكرناه من أنواع التلوث كل هذا وغيره أدى إلى وجود ظاهرة الاحتباس الحراري واتساع ثقب الأوزون مما جعل لهم تأثيراً جوهرياً على التغير المناخي وقد أفضى ذلك إلى الإضرار بكائنات ومكونات البيئة أيما ضرر ، فيا سكان الأرض تعاونوا محافظين على بيئتكم بالاستخدام الأمثل للموارد المتاحة ولا تتسببوا في إيذاءها وهي التي تضمكم بكل رحابة بين جنباتها في وئام وسكينة قال تعالى (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين).