تقرير : محمد محمد نور
.. اثبتت التجارب والأحداث و المعطيات السابقة والآنية أن المعالجة الأمنية قد تحد من التطرف ولكنها لن تقضي عليه تماماً ، ومن هنا كانت مواجهة الفكر بالفكر هو السلاح الأكثر فعالية في الحرب على النزعات المتطرفة عن طريق تصحيح المفاهيم الخاطئة وكشف الشبهات والمنزلقات الفكرية التي يتبناها أصحاب الفكر المنحرف الذي يقود بدوره إلى الارهاب ، ويتصدى لهذه المهمة مجموعة من علماء الشريعة ومختصيين في الاجتماع والصحة النفسية وغيرهم من المفكرين والمثقفين . وتعتبر المملكة العربية السعودية من الدول الرائدة في مجال استخدام مفهوم الأمن الفكري ضمن مؤسسات رسمية أو عبر مبادرات شخصية .
نماذج حية
…. يقول عبد الرحمن الحويطي أحد المستفيدين من برامج مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية خلال حديث سابق ( لقد ساعدنا البرنامج كثيراً لرؤية الأمور بوضوح كامل بعد أن كنا قبلها نغلق اسماعنا وعقولنا أمام أي رأي آخر ، ولا نعترف بأي وجه نظر مختلفة ونعتبر جميع المختلفين معنا من الخارجين على الدين والملة ) ، ويزيد رفيقه بدر العنزي من خلال حديث سابق : ( إن هذه الجماعات كانت تغذي أفكارنا من خلال مقاطع مصورة حول ما اسموه بالمآسي الإسلامية ، وهم في حقيقتهم يجعلون الشخص يخرج من أهل السنة والجماعة لتكفير أهل السنة والجماعة ) ، ومثل هذه النماذج في أيامنا هذه لا تحصى ولا تعد وجميعهم مغرر بهم ولا يدركون أن الذين دفعوهم إلى هذا الطريق قد زجوا بهم ( حقيقة ) إلى الجحيم وهم كالمنومين مغنطيسياً ..
أرقام ومفاهيم
تقول احصاءات حديثة أن ثلاثة آلاف من أصحاب الأفكار المتطرفة من الذين خضعوا لبرامج إعادة تأهيل مكثفة بمركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية قد تخلوا عن أفكارهم المتشددة ، وأن المركز نجح في إعادة تأهيل وتصحيح أفكار 92% من هؤلاء المتشددين ويرى خبراء أن هذه النسبة مشجعة لمواصلة هذه التجربة ونقلها من المملكة إلى الدول الأخرى . ويعمل مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية وفق منظومة متكاملة تقدم المفاهيم الشرعية وتوضح الجوانب السياسية والتاريخية للعائدين من بؤر التطرف داخل بيئة نفسية معدة بدقة لهذا الغرض حيث تعقد المحاضرات والندوات التي يجري فيها دعوة الأفراد من ذوي الفكر المتشدد للمناصحة من دون إيقافهم ، و بلغ المستفيدين من هذه التجربة 8 آلاف شخص منذ انطلاق المركز كما استهدف البرنامج رعاية 13 ألف و500 حالة وقرابة 70 من الأسر المتشددة بتكلفة وصلت إلى مليار و367 مليون ريال خلال ثمان سنوات . و في المنوال ذاته تشرف وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في المملكة العربية السعودية على حملة (السكينة لتعزيز الوسطية) التي بدأت بجهود شباب سعودي متطوع للتواصل مع أصحاب الأفكار المتطرفة على شبكة الإنترنت من أجل مناصحتهم وتصحيح أفكارهم الخاطئة وتمكنت الحملة استعادة 1500 شاب من أصل 3 ألاف متشدد قامت باستهدافهم خلال فترة وجيزة .
وقاية فكرية
تبذل زارة الثقافة والإعلام جهودا كبيرة لمحاربة الفكر التكفيري المنحرف من خلال البرامج الإذاعية والتلفزيونية حيث يتم استضافة كبار العلماء والمشايخ لتناول مخاطر الفكر التكفيري وبيان بطلانه بالحجة والبراهين وتصحيح المفاهيم الخاطئة استناداً على أدلة دامغة من القرآن الكريم والسنة المطهرة وما نقل عن السلف الصالح وأئمة المسلمين، فيما كثفت وزارة الشؤون الإسلامية المحاضرات والدروس الدعوية والتوعوية في المساجد لتوضيح خطر هذا الفكر وتحريمه وتجريم من يعتنقونه ومن يرتكب أعمال العنف ضد المسلمين ومقدرات الوطن.
وبذات القدر نفذت وزارة التربية التعليم برامج ضخمة لتوعية الطلاب والطالبات بخطورة الأعمال الإرهابية وحرمتها في الإسلام والآثام التي تقع على مرتكبيها وحث المعلمين والمعلمات على توعية الطلاب والطالبات وتوجيههم إلى الطريق الصحيح تأميناً للشباب من خطر الانزلاق نحو التطرف والتشدد والغلو في حياتهم . وفوق هذا وذاك أصدرت المملكة جملة من الأنظمة والتعليمات واللوائح لاستخدام شبكة الإنترنت والاشتراك فيها بهدف مواجهة الاعتداءات الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني إضافة إلى تنظيم الجهات المعنية دورات تدريبية عديدة عن موضوع مكافحة جرائم شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) لتنمية معارف العاملين في مجال مكافحة الجرائم التي ترتكب عن طريق الأجهزة الإلكترونية وتحديد أنواعها .إضافة إلى برامج التعريف والتوجيه بدور الأسرة في الوقاية من الانحراف الفكري و سبل مواجهته .
أدوار مفقودة
يقول المستشار المعتمد في التنمية الفكرية محمد بن خلف ابن الشيخ لـ ( الجودة ) إن المملكة العربية السعودية شهدت خلال العقدين الأخيرين اهتماماً ملحوظاً في تطبيق ما بات يعرف بالأمن الفكري في سبيل الحد منأي سلوك إجرامي منحرف يهدد أمن وسلامة المجتمع ، وتحقيق الأمن بمفهومه الشامل ، وأشار ابن الشيخ إلى أن مسؤولية معالجة الخلل الفكري ولاانحراف السلوكي ليست من واجب الجهات الأمنية وفحسب بل أن المجتمع يجب ان يقوم بدوره في هذا الجانب الحساس حماية للأجيات من كل آفات التطرف والغلو في حياتهم ، منبهاً في الوقت نفسه إلى تعدد وسائل الانحراف في هذا العصر ما يصاحبه من جنوح عن منهج الوسطية والاعتدال ، ولخص مهددات الأمن الفكري في الغزو الفكري الخارجي وغياب دور الأسرة والمدرسة والمسجد في التوعية إضافة إلى الفراغ زيادة على ما أسماه بحالة الانقسام التي تشهدها الساحة المحلية بين المثقفين والمفكرين ، والمحاولات التي تستهدف المساس بالثوابت الإسلامية والوحدة الوطنية وانتشار النزعات الطائفية داخل المجتمعات العربية والإسلامية .
جهود واعية
يرى مدير العلاقات العامة والإعلام بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة القصيم مشيقح بن حمود بن عبد العزيز المشيقح أن مواجهة الارهاب عموماً والأفكار المتطرفة على وجه التحديد يجب أن تبنى على اسس ومعايير علمية وعملية محددة لأن مواجهة الارهاب عن طريق ردود الافعال أو القوة المفرطة لن يزيد الوضع إلا تعقيداً ويوسع بالتالي من دائرة الارهاب ، وقال في حديثه مع ( الجودة ) إن تجربة المملكة العربية في مخاطبة قضية التطرف ومكافحة الأفكار الارهابية تعتبر نموذجية من نوعها وأثبتت فاعليتها على المستوى المحلي والإقليمي والدولي . وعزا المشيقح نجاح هذه التجربة إلى الخبرة التراكمية التي اكتسبتها أجهزة الدولة السعودية مع الأفكار المنحرفة والاعتداءات المتكررة التي شهدتها السعودية من قبل الارهاب بمختلف أشكاله وتوجهاته، وقال إن الدولة لم تقف عند حد المكافحة الأمنية البحتة للارهاب وملاحقة خلاياه بل أنها ظلت ومنذ زمن بعيد تعمل على تجفيف مصادر التطرف عن طريق نشر ثقافة الاعتدال الفكري وتشجيع المنظمات التطوعية والمؤسسات الأكاديمية والاجتماعية على ضرورة تبني برامج توعوية لنزع فتيل التشدد بين الشباب وقد كان لهذا العمل نتائج باهرة خلال السنوات الأخيرة .