محمد محمد نور
يبدو أن عملية إنتاج الأزمات الداخلية والخارجية التي صاحبت حكومة السودان الحالية منذ العام 1989م وإعادة تدويرها مازالت مستمرة بل أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية أصبحت اليوم أكثر تعقيداً أكثر من أي وقت مضى. لعل المراقب للشأن السوداني خلال الأيام الفائتة يدرك تماماً أن حكومة البشير القابضة على زمام الإمور منذ قرابة 30 عاماً قد استنفدت أغلب أوراق اللعبة السياسية المتاحة لها على كل الأصعدة. ولا يمكن فصل المظاهرات الشعبية التي اندلعت بداية هذا الأسبوع في العاصمة الخرطوم وعدد من المدن السودانية بسبب الزيادات التي حدثت في رغيف الخبز لا يمكن فصلها عن سياق سلسلة الأزمات الاقتصادية التي ظلت تشهدها البلاد منذ إنفصال جنوب السودان عن شماله في العام 2011م وما تلى ذلك من تطورات سلبية على مجمل خارطة الاقتصاد بعد خروج إيرادات النفط من ميزانية السودان الشمالي. ولم تكن الاحتجاجات الأخيرة هي الأولى من نوعها بل شهد العام 2013م مظاهرات عمت أغلب المدن السودانية على إثر الزيادات التي صاحبت أسعار الوقود وراح ضحيتها عدد كبير من المواطنين قدرته بعض الجهات الحقوقية بالمئات وتكرر المشهد ذاته في العام 2016م بعد الزيادات الكبيرة التي فرضتها الحكومة على أسعار الدواء. إذاً هي مجموعة من الوصفات الاقتصادية التي دأبت حكومة البشير على الهروب إليها للخروج من تلك الأزمات ولو كان ذلك على حساب الشعب الذي يزداد فقراً يوماً بعد يوم وفوق كل هذا وذاك مازالت الأوضاع الأمنية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق تقض مضاجع الحكومة وتستنزف أغلب ميزانية الدولة المنهكة أصلاً. وعلى صعيد المواقف الخارجية بات السودان اليوم يعيش حالة من التوهان اللعب على المحاور في الساحة العربية والإقليمية إلا أن طبيعة العلاقة المتأزمة بينه والجارة ( الشقيقة ) مصر تظل هي المنطقة الأكثر تأزماً خاصة بعد التطورات الأخيرة التي أعقبت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردغان إلى الخرطوم أواخر شهر ديسمبر من العام الماضي وما صاحب هذه الزيارة من مخاوف أمنية أعلنتها القاهرة بعد تخصيص البشير لجزيرة ( سواكن) لصالح الحكومة التركية الأمر الذي رأت فيه حكومة السيسي تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري هذا ناهيك عن السجال التاريخي بين البلدين حول مثلث حلايب. إذاً في ظل كل هذه الأوضاع الداخلية المعقدة والتطورات الخارجية المتسارعة تجد حكومة البشير نفسها على داخل متاهة من الأزمات المستوطنة وحزمة من الخيارات الصعبة. وإستناداً على هذه المعطيات فإن حكومة البشير وحزبه ( المؤتمر الوطني) مطالبان اليوم بإيجاد معادلة ( سحرية) للخروج من هذه الحالة التي عبرت عنها الاحتجاجات الجماهيرية مؤخراً في الداخل السوداني وزاد من حدتها المواجهة غير المعلنة بين مصر والسودان التي بدأت نذرها تلوح في الأفق وما الحشود العسكرية من الجانبين على الحدود السودانية الإريترية إلا فتيل لم تشتعل شرارته بعد.