ربما بحساب السنين فإن عرعر ( المدينة ) قد تبدو حديثة نسبيًا إذ يرجع إنشاؤها إلى العام 1369 هـ – 1950 م وذلك على إثر قيام خط أنابيب الزيت ( تايلاين ) ؛ ولكن استنادًا إلى ذاكرة الموروث الحضاري ، والمخزون الشعبي ، والبعد الثقافي فإن ( عرعر) تضرب لنفسها جذورًا عميقة في أرض التاريخ والأصالة ، ويظهر هذا الماضي العريق جليًا في مجموعة من العادات والتقاليد الجميلة التي ظلت ملازمة لأهالي المنطقة ويتم تداولها جيلاً بعد جيل لتشكل ميراثــًا ثمينـًا يبعث على الفخر والاعتزاز لأهلها ، ويلجم ضيوفها بالدهشة من وافر الكرم ، ودفء الضيافة التي ينالوها بينهم .. ويبدو أن الكرم في عرعر صفة ( جينية ) تنتقل عبر الأنساب والسلالة الطيبة …والكرم في عرعر عنوانه العريض ما يعرف هنا بشبة الفجر والمساء ، وذلك حين يتحلق الرجال في جلساتهم في هذه الأوقات حول القهوة العربية ( المحوموسة) ذات المذاق الطبيعي الممزوج ببساطة البادية ، ونقاء النفوس ، فتدور بين السمار عنوانًا للكرم ، و مظهرًا للنخوة ، ومجالاً فسيحًا لاستحضار الأفكار ، واستقبال العلوم والأخبار . و الشبة تاريخيًا ارتبطت بـ (التعليلة ) كل مساء حيث يجد الضيف مكانته عند هؤلاء القوم وهو مغمور في بحر كرمهم ، ومحاط بسمو خلقهم ، ومن هنا كانت مجالس الشبة ميلاد للتاريخ والقصائد ، وملهمة للقرائح ، والأفكار ، والأشعار ، فها هم الشعار قد هتفو باسم عرعر عند مرورهم بها :
بعرعر سما لك شوق بعدما كان قاصيًا
وحلت سليمى بطن قو فعرعرا
… ليس هذا فحسب ، بل أن ( عرعر ) المتوسدة تخوم الشمال تكسوها طبيعة ساحرة للقلب قبل النظر ، ويعلوها خلق أهلها وطبيعتهم التي لم تغيرها التكنولوجيا ، ولم تطمسها موجات التقنية المتسارعة … وهنا – أيضًا – كانت ولا زالت الأودية الجارية منذ الأزل شاهدة على الشبة المتنقلة عبر الزمن ، حيث تجري من الشرق إلى الغرب أودية : وادي المفك، و فياض ، والنعرة ،و شعفة الظبي وأبا القد ، واعويج لوقه ،وساقي سبع الرجل ، ووادي المرا الذي يصب في فيضه الهبكة ، ووادي البغدادي الذي يقترن بالمركوز، ثم وادي الزعتري الذي يصب قريبًا من هجرة الدويد ، وكذلك وادي الخر الشهير الممتد من النفود حتى الطقطقانة ، ومن بين كل هذا المكون المتعانق في حضن الطبيعة كانت ( الشبة ) مجلسًا لتآلف النفوس ، وفيض الكرم ، ولقاء الأحبة …. يقول الشيخ سليمان العنزي وهو يرنو إلى سنوات عمره المديدة : شبة النار كانت منذ القدم رمزًا للكرم والسخاء عند العرب و إن إيقاد النار في الأصل إشارة للترحاب بالضيوف والزوار خاصة المسافرين منهم ليلاً ، ومنها جاءت كلمة الشبة فيقول الشخص : (الشبه عندنا ).هكذا يلتقي الماضي بالحاضر في عرعر لينسجا معًا بساطًا مريحًا للكرم والسمر واستقبال الضيف في هزيع الليل .