الخرطوم : محمد محمد نور
لعقود من الزمن شاعت مقولة أن القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ ؛ إلا أن هذه المعادلة لم تعد صالحة التحقق في وقتنا الحالي أو أنها اختلت كثيراً في مكوناتها الأساسية … ( الجودة ) تعيد اليوم صياغة هذه المعادلة متلمسة واقع المطبوعة السودانية ومدى حضورها على ساحة المحلية ومواقع وجودها في خارطة الانتاج الثقافي والأدبي والفكري بالوطن العربي طارحة في هذا السياق عدداً من الأسئلة والاستفهامات التي تحيط بحركة التأليف والنشر في السودان في الوقت الحاضر والصعوبات التي تقف أمام انتشار الكتاب السوداني على المستوى العربي .
ديباجة
اتفق عدد من المؤلفين والناشرين والمهتمين بحركة الانتاج الثقافي من الذين استطلعتهم ( الجودة ) على أن المطبوعة السودانية مظلومة عربياً كحال كثير من الفنون و الأبداعات الأخرى في هذا البلد العربي الأفريقي المتعدد الأعراق والمتنوع الثقافات وأجمع هؤلاء المستلطعون على أن الكتاب السوداني رغم المنتوج الوفير لا يحقق الانتشار المنشود خاصة على نطاق الوطن العربي ، وحال الكتاب كما يقولون هؤلاء يحاكي وضع الموارد الطبيعية السودانية التي يتباكي الجميع على عدم استغلالها . وكثير من المهتمين بالشأن الثقافي في السودان يشيرون إلى الركود في حركة النشر بسبب الظروف الاقتصادية التي تحيط بعملية انتاج الكتاب ونشره الأمر الذي جعل قيمته المعنوية تتراجع في أولويات القراء ، ويضيف البعض قيمة الضرائب والرسوم الكبيرة التي تفرضها الدولة على قطاع النشر و الارتفاع الكبير في مدخلات صناعة الكتاب إلى قائمة هذه التحديات . وعبر نور الهدى محمّد مدير دار عزّة للنشر المعروفة عن استيائه من هذا الواقع مشيراً إلى أن الدولة تساهم بإجراءتها المعقدة في شل حركة النشر مما يؤدي إلى تناقص المنتوج الثقافي والفكري منوهاً إلى هجرة أعداد كبيرة من الكوادر الفنية المدربة بسبب هذا الواقع ، ويتفق المؤلف المعروف د. محمد المهدي بشرى مع ما ذهب إليه مدير دار عزة ويشير إلى أن تجاربه الشخصية مع عدد من دور النشر تؤكد هذا التراجع في صناعة الكتاب في السودان موجهاً اتهاماً صريحاً إلى ضعف قنوات النشر وتواضع إمكاناتها وقال إن المؤلف لا يحظى بعائد يذكر من انتاجه الذي يتوزع بين الطابع والناشر .
صوت لوم
ترى الأديبة السودانية المعروفة (بثينة خضر مكي) أن مقاييس انتشار الكتاب السوداني تحددها جودة العمل المكتوب والتحليلات النقدية التى تتناول مضمون هذا العمل وماكتب عنه من دراسات متخصصة وكيفية تناوله من خلال وسائل الإعلام وتؤكد مكي أن عدداً من الأعمال الأدبية والفكرية قد وجدت حظها من النقد والإشادة داخل دور العرض العربية واستطاعت المنافسة بقوة في مناسبات كثيرة إلا أنها قليلة نسبياً مقارنة بالمنتوج الثقافي السوداني الكبير خلال السنوات الأخيرة ، و وجهت لوماً مباشراً لدور النشر السودانية وتجاهلها لإنتاج الكتاب الشباب وتركيزها على اسماء محددة دون غيرها بناء على معايير لا تمت بصلة إلى جودة المنتج ومدى تفاعله مع الواقع السوداني – حسب رأيها – واحجام هذه الدور عن المشاركة بمعارض الكتب الأمر الذي أثر على حضور المنتج السوداني على المستوى العربي . واشارت بثينة مكي إلى ما وصفته بالدور الإيجابي الذي يلعبه الكتاب السودانيين المقيمين بالخارج واضافاتهم القيمة للمكتبه السودانية على الساحة العربية والأروبية وتضيف قائلة : ( من خلال تجربتي لأكثر من عشرين عاماً قضيتها فى المحافل الادبية بالخارج وشاركتي فى العديد منها أرى أن المؤلفين من الكتاب السودانيين ينافسون بقوة ويفرضون أعمالهم في ظل وجود دور نشر عربية تهتم بتقييم هذه الأعمال وتقديمها بصورة جيدة للقارئ العربي ).
أكثر من إتجاه
رغم الواقع الذي تعيشه حالة النشر والتوزيع وصناعة الكتاب بصورة عامة في السودان فهناك من يرى بأن هذه الحركة ظلت تشهد أوقات ركود ومساحات من الانفراج خلال تاريخها الطويل إلا أنها لم تصل إلى وضع الانقطاع كما يقرر الكاتب والصحفي الشاب أسامة شيخ إدريس الذي يؤكد على ثراء المنتوج الثقافي السوداني رغم محدودية انتشاره داخل المكتبات العربية وعزا ذلك إلى عدم رغبة القارئ العربي في الاطلاع على الأدب الافريقي وقصر اهتمامه على الكتاب الغربي المترجم مشيراً إلى أن السودان شهد حراكاً ثقافيا ًكبيراً في العشر سنوات الأخيرة واستطاع الكتاب والكاتب السوداني أن يتخطي حدود المحلية الى الاقليمية والعالمية بظهور اسماء سودانية عديدة نالت جوائز عربية وعالمية من بينها: أمير تاج السر ، وليلى أبو العلا ، وعبد العزيز ساكن بركة ، وحمور زيادة ، وعلي عبد الرافع وغيرهم، و هذا الحراك – حسب شيخ إدريس – لم يحدث فقط على مستوى التأليف الثقافي فى الرواية والقصة فحسب بل على مستوى الكتب العلمية المتخصصة سواء في الاقتصاد أو العلوم أو السياسة ، واللافت للنظر – كما يقول شيخ إدريس – أن منصة انتشار أغلب هؤلاء المؤلفين كانت مسابقات عربية للقصة إلا أنه لا ينكر حالة الركود النسبي لحركة الكتاب على المستوى المحلي والعربي وقال إن السبب في ذلك يرجع إلى أساساً إلى ارتفاع تكلفة الطباعة والورق والضرائب المفروضة على صناعة الكتاب ولكن في الاونة الاخيرة – كما يقول – بدأت الدولة تفطن الى أن الحراك الثقافي يساهم بالتعريف بالدولة وارثها الثقافي والانساني وقد وضح ذلك فى الاتجاه الآخير لتبنيها مشروع المائة عنوان في الثقافة السودانية وهو مشروع تقوم عليه وزارة الثقافة من خلال هيئة الخرطوم للصحافة والنشر و لاننسي – والحديث لشيخ إدريس – الدور الذى يلعبه معرض الخرطوم الدولي للكتاب في استقطاب العديد من دور النشر العربية والعالمية .
…. مسؤولة النشر والكتب بهيئة الخرطوم للصحافة والنشر (أماني أبو الريش) لم تذهب بعيداً في حديثها مع ( الجودة ) عن سابقها مذكرة بالتسابق المحلوظ من جانب المؤلفين السودانيين للمشاركة في معارض الكتب العربية وإتجاه عدد من هؤلاء الكتاب لدور النشر العربية بجانب حضور واضح لعدد من دور النشر السودانية على المستوى العربي وآخرها صدور أثنين من أعمال لوسيني الأعرج عن دار مدارات السودانية بينما حققت المطبوعات السودانية معدل 60% من إصدارات دار (أوراق) المصرية ومع ذلك تقول أبو الريش إن أغلب المشاركات السودانية على الساحة العربية هي نتاج مجهودات شخصية للكُتَّاب بجانب مجهودات وزارة الثقافة بعناوين في الثقافة السودانية داخل معارض الكتب بدول الخليج والقاهرة .
… وفي الإطار عينه يقول القاص والروائي (صديق الحلو) إنه من الصعب اعتماد معيار محدد لقياس مدى حضور الكتاب السوداني على مستوى خارطة الوطن العربي ويشير الحلو إلى عدد من المؤلفين أكثر وجوداً من غيرهم عربياً من أمثال أمير تاج السر وبثينة خضر مكي بينما نجد آخرين من أمثال الطيب صالح وحمور زيادة و عبد العزيز بركة ساكن وطارق الطيب وإشراقة مصطفى وليلاً أبو العلا أكثر حضوراً في أوربا بفضل حركة الترجمة لأعمالهم ومشاركتها الواسعة بالمعارض العالمية وجوائز البوكرز . ويبدو الحلو أكثر تفاؤلاً بوجود المؤلفات السودانية على رفوف المكتبات العربية ويشير في هذا الخصوص إلى الدور الكبير الذي تلعبه جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي ، وهيئة الخرطوم للصحافة والنشر ، والدار السودانية للكتب ، ومؤسسة أروقة ، و دار المصورات في رفد المكتبة العربية بأكثر من 500 عنوان في الثقافة السودانية .