علي اليامي
… إنها التضحية في أسمى معانيها بل هو نكران الذات الذي لا يعرف الأنانية وحب النفس ذلك حين يقدم الإنسان روحه رخيصة وخالصة ليفتدي بها أحد أبناء جنسه دون أن تربطه به علاقة نسب أو قرابة .. هنا تتجلي قيمة هذا الإنسان الذي يجود بأغلى شيء يملكه وتكون نهايته في هذا الفداء .. وهذا ما قام به شهيدا نجران والمملكة قاطبة (ذيب مانع آل راكه اليامي) وابن عمه (جاسر دهام آل راكه اليامي) اللذان قدما درساً لكل العالم والإنسانية حين دفعت بهما قيم الشجاعة والشهامة والمروءة التي تجري في دمائهما و ورثاها جد عن جد وقاما بإنقاذ طفلين جرفتهما مياه نهر شيكوبي بولاية ماساشوستس بالولايات المتحدة الأمريكية وكانت نتيجة هذا العمل البطولي النادر أن دفع هذان الشابان حياتهما ثمناً لهذه القيم الإنسانية النبيلة .. وما أعظمها من تضحية. نعم ذهب ذيب وجاسر بسبب هذا العمل الشجاع إلى ربهما مرحومين بإذن الله ولكن أضحت قصتهما تجسيداً صادقاً للعطاء الإنساني الذي لا يعرف الحدود ولا الأجناس .. فقط أنت إنسان إذاً أنت أخي وأنا مستعد لفعل المستحيل من أجلك دون أن أنتظر الثمن حتى لو كان نتيجة عملي هذا هو نهاية حياتي.. الآن ذيب وجاسر شهيدان بحجم وطن هو المملكة العربية السعودية وهما – رحمة الله عليهما – يمثلان قيم هذا البلد الطاهر وقصتهما أضحت درساً بليغاً لكل الناس تحكي فصولها الصحافة الأمريكية والعربية على حد سواء ونجران التي أنجبت الشهدين البطلين هي الأخرى حاضرة عبر الصحافة والقنوات الفضائية تقول للعالم من هنا بدأت الحضارة والآن يجدد الأبناء بطولات وشجاعة الأجداد والآباء.. كتبت عنهما (ميسوري تايمز) و (ديلي ميل ) و ( التايمز ) وغيرها من الصحف الورقية والإلكترونية وسارت بقصتهما الفضائيات و وكالات الأنباء و جميعها وقفت ترفع حاجب الدهشة والقبعات معاً لجسارة وشجاعة هذين الشابين اللذين ذهبا للدراسة ونيل الشهادة العلمية من أمريكا فكان قدرهما أن ينالا أعظم شهادة عند الله والتاريخ.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل حتى وزارة الخارجية الأمريكية سارعت هي الأخرى إلى إصدار بيان أعربت فيه عن مواساتها لأسرتي الشهيدين و وصفت ما قاما به من عمل بالشجاع والبطولي. وبادر معهد(CLIC) الكندي لتعليم اللغات بإطلاق اسم يامي على احدى قاعته الدراسية عرفاناً تكريماً لجاسر وذيب. ومازال الاهتمام يتواصل يوماً بعد داخل المؤسسات العلمية والثقافية والإنسانية داخل الولايات الأميركية وغيرها من البلدان بقصة شهيدي نجران ومازال الإعلام يفسح صفحاته وشاشاته لترديد القصة. وفي السعودية التي انجبتهما كان للقصة وقع آخر وبعد مختلف حيث تفاعل المجتمع مع هذا الحدث حتى بات حديث كل منزل وديوانية وسيطر على الأحاديث العامة والخاصة واحتل حيزاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي لأنه شكل بعد الحزن فخراً لكل سعودي وسعودية وأصبح مصدر اعتزاز لدى الجميع. وحين وصل جثماني الشهيدين إلى نجران بجنوب المملكة وكانت الصلاة عليهما بجامع المنصورة وأمها الوالد الشيخ علي حاسن المكرمي كان الموقف مهيباً وكان جمع المعزين غير مسبوق تقدمهم أمير المنطقة الأمير جلوي بن عبد العزيز الذي كان حاضراً عند الحدث قلباً وقالباً مواسياً وموازراً منذ وصول جثماني الشهيدين وحتى مواراتهما الثرى. ومن قبل ذلك كانت سفارة خادم الحرمين الشريفين بالولايات المتحدة حضوراً في كل التفاصيل.
… حقاً إنها قصة بطلين سعوديين من نجران ستظل محفورة بالنور في تاريخ هذا البلد المبارك.