محمد نور … الخرطوم
الحلفايا أو حلفاية الملوك كما يحلو للسودانيين تسميها صفحة من التاريخ والطبيعة والجمال ترقد على ضفة النيل الشرقية على مسافة ليست بعيدة من مدينة الخرطوم بحري الضلع الثالث للخرطوم العاصمة ..
… هنا توقف الزمن كثيراً ليشهد على الأحداث أو قل أن الأحداث صنعت هنا حيث كان الملك لقبيلة ( العبدلاب ) الذين أتخذوا الحلفايا عاصمة لهم منذ العام 1747م وذلك ضمن ( كنفدرالية ) سلطنة الفونج ومقرها مدينة سنار في الجنوب الأوسط من سودان اليوم بعد أن أنتصر تحالف الفونج بقيادة (عمارة دنقس) ومشيخة العبدلاب تحت إمرة (عبد الله جماع ) على دولة علوة المسيحية الكائنة وقتها شرق الخرطوم الحالية، ومن حينها بدأ تاريخ جديد في السودان مازالت ملامحه ماثلة حتى هذه اللحظة .
… مثلما كانت الحلفايا مركزاً للقيادة والزعامة في بواكير تشكل دولة السودان الحديثة فإنها ظلت معلماً دينياً ومنارة علم واستنارة وزادها تأنقاً وتألقاً سحر طبيعتها وخضرة مزارعها الممتدة على جسد النيل الخالد …
… إضافة إلى رمزيتها التاريخية والسياسية ظلت مدينة الحلفايا تشكل مورداً للعلماء والشعراء والأدباء والفنانين والمبدعين عموماً فمنها جاء مفتي السودان الأسبق الشيخ عوض الله صالح والعلامة الراحل البروفيسور عون الشريف قاسم والشيخ عبد القادر شيخ إدريس والشيخ الطيب الهندي وجمهور من العلماء في مختلف المجالات ولكن يبقى دائما اسم الشاعر المرهف ( إدريس محمد جماع ) هو منتهى الابداع وروعة التجلي كلما ذكرت الحلفايا وهو الذي شنف آذان العالمين بقصائد خالدات في الروح والوجدان وما أجمله حين يشدو :
أأعلى الجمال تغار منا
ماذا علينا إذا نظرنا
هي نظرة تسبي الوقار
وتسعد الروح المعنى
دنياي أنت وفرحتي
زمنى الفؤاد إذا تمنى
أنتِ السماء بدت لنا
واستعصمت بالبعد عنا
وتبقى حلفاية الملوك أيقونة سودانية حاضرة على جبين النيل .