(نزهة في السماء)
الكاتبة/ ✍🏻 عافية جابر الفيفي
الجمعة / 18_ 7_ 1441
قد يمر بك الحزن؛ ويعثر عليك الألم؛ وتعتادك الأيام الثقيلة حتى تدمن الهم؛ وتنسى شكل الفرح؛ وتغادرك البسمة؛ تصل إلى مرحلة تنكر فيها ذاتك التي عرفتها؛ تنشغل طوال الوقت بتعثراتك وتبعات آلامك المزمنة؛ وطبطبة جراحك الغائرة؛ تذهب بك الأوهام يمنة ويسرة، وتتمنى لو يعود بك الزمان لتتوقف عند محطة معينة من محطات الحياة ولحظة انتظار من لحظات الأقدار، تظن أنك بهذا لعلك تكون قادرا على استدراك ما فات منك أو استرجاع ما غاب عنك أو إصلاح ما انفرط بين يديك ..
اعلم أن كل ما قد مضى وما سيأتي هو أمر معلوم ومقدر محتوم عند الله تعالى من قبل أن تطلع أولى صرخاتك على هذه الدنيا ..
وهذه ليست دعوة للتخاذل والاستسلام أو التباطؤ والتكاسل، وإنما هي تصبير وتعليل لكل من حارت به الطرق بعد عدة محاولات أو تألمت روحه وتعب جسده لأقدار وأحداث ما باليد حيلة لدفعها كذهاب مال أو حلول كارثة أو وفاة غال أو فقد عزيز، وغير ذلك مما لا تدخل فيه أي قوى بشرية غير أني أطمئنك أن المؤمن له بشائر عند الله فالسوء الذي يلحق بك أيا كان لا يعجزه سبحانه ولا يتعاظمه جل شأنه أن يدفعه عنك، ولكن أنت بحاجة لشعور الحاجة إلى الله سبحانه وعليه فإنك ستبذل قصارى جهدك في التذلل والافتقار له والانطراح بين يديه وكثرة دعائه لتفريج همك ورفع بلائك وخصوصا عند انعدام طرق التفكير المختلفة ووقوفك عاجزا حائرا أمامها وتخلي كل البشر عنك سواء عجزا أو انشغالا أو قلة حيلة فماهم إلا بشر،
وعندها تكثر اللجوء إلى الله تعالى وتكثر من دعائه وذكره وصدق الاستعانة به، وتتقرب إليه بأنواع العبادات والقربات التي يحبها، فيمتلىء قلبك إيمانا ويقينا ورجاء وتستلذ الطاعة وتدمن الاستغفار حتى لوهلة تشعر أن ما أنت فيه نعمة بحد ذاتها لأنها قربتك من الله تعالى وعرفتك على خالقك وأعادتك إلى رحاب فضله وحياض جوده بعد أن أبعدت عنه ولهوت كثيرا وألهتك الدنيا والانشغالات، وهنا يتجلى معنى من معاني ( لعله خير) ومعنى كون (المحنة منحة) وقول (أمر المؤمن كله له خير) فكل ما قربك إلى ربك فهو خير ..
عندما تحقق هذا النوع من العبودية لله تعالى وتستكين نفسك وتركن روحك إلى بارئك وتستسلم لأقداره راضيا راجيا مخبتا منيبا متوكلا عليه، عندها يأذن الله لك بالفرج؛ وتشرق شمس عزك؛ ويبزغ نجم سعدك، وتأتيك العطايا من أوسع الأبواب، ويجبرك ربك كما لم تجبر من قبل ويسخر لك من خير أقداره وخلقه كما تحب وأكثر، فتبكي دهشة لعطاء الله؛ وحسن كرمه، و بالغ جوده وإحسانه ..
إن ما يخبئه الله لنا _إن شاء الله _ في الآخرة من منازل الجنان أوسع من كل تخيلاتنا وأبلغ من أن تحيط به أفكارنا أو نراه بعيون عقولنا القاصرة، أو نتخيله بلحظ ذكائنا المحدود،
فلكل من أحاط به الألم وحاصرته الهموم وتمكنت منه الأوجاع ونالت منه الأقدار حتى بات لا يكترث لما سيحدث من شدة يأسه، استبشر خيرا فربك كريم قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ويفرح بها ..
هذا يعقوب عليه السلام فقد فلذة كبده يوسف عليه السلام، فدعا ربه وبكى حتى فقد بصره وإذ به يفقد أخاه الآخر، لكنه ازداد ثقة بالله تعالى ويقينا بحكمته، وإذ به تعالى يجمعهما له في أخير وأجمل منظر قد يراه أبوان لابنهما ..
وإن خالطتك الظنون أحيانا فلا يغب عن بالك خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار ..
لولا الألم لما عرفنا طعم الصحة ولولا البلاء ما عرفنا معنى العافية ولولا الأكدار لما استمتعنا بلحظات الصفاء ولولا المحن والكوارث والأحزان ما عرفنا قيمة السلامة وأن يمر يومك وأنت صحيح معافى آمن في سربك ..
وأعلى هذه الأنعام على الإطلاق نعمة الإسلام ونعمة القرآن ونعمة معرفة الله سبحانه واللجوء إليه في كل وقت وحين .. فبذكره تطمئن النفوس وتركن القلوب ..
وعليك أن تعرف معنى التفاؤل وهو قدرة على رؤية ما خفي خلف الأحداث؛ ورؤية شعاع النور وبصيص الأمل يلمع من بين أغصان الحياة المتشابكة؛
أن ترى المنع عطية والمحنة منحة؛ أن تحول كل خسارة ونقص وبؤس إلى سعادة وربح وطرق للخير تفتح؛
أن تقف على قدميك بعد كل معاناة وتشد همتك؛ وتنظر للأمام لأن خلف الأفق فجر يلوح، ووراء الغيمة غيث قريبا سيمطر ..
عش متسامحا، صافحا عن الخلق، وسيع البال، واسع الأفق، متسع النظرة، بعيد المرمى، لأنك تتعامل مع الله سبحانه، أنت تنطلق خلف كل قراراتك ونياتك وعزائمك من منطلق رضا الله وأن يكون هو غايتك سبحانه، ليس ضعفا بل قوة في القلب ويقينا أنهم خلق ضعفاء من خلق الله يرضيه تعالى أن ترفق معهم، وتعفو عنهم وتصفح عن إساءتهم، فقلبك الملىء بحب الله وحده المنشغل بتعامله معه والبحث عن رضاه لا وقت لديه للصراعات الجانبية والانشغالات المعيقة وبنيات الطريق،
هذا غير ما أقره كثير من الأطباء أن الحقد والغيظ ورغبة التشفي والانتقام تتعب صاحبها وتجلب له الأمراض النفسية والعضوية المزمنة كأمراض القلب والضغط وضعف جهاز المناعة ..
*همسة إلى كل أخت غالية*
مهما تألمت روحك وانجرحت مشاعرك وحاصرتك الهموم من كل جانب وتخلى عنك الرفيق أو تركك القريب أو عانيت من قلة ذات اليد أو انضغطت تحت أقدار مؤلمة كموت عزيز أو زواج شريك أو فقدان حلم، فإنها ليست نهاية العالم؛ لن تتبدل الأرض أو تغيض البحار؛ أو تشرق الشمس من مغربها! لن تموت خلايا جسمك؛ أو يتوقف نبض قلبك؛ أو تنتزع روحك قبل أوانها؛
لملمي جراحك واجمعي شتاتك وقفي بقوة وانتصاب؛ واعتدلي بقامتك بكل احترام؛ وسيري بخطوات واثقات نحو حياتك وأهدافك وتطلعاتك التي تسمو بروحك وتعلي من فكرك وتنير دربك، وإن أصابك سوء أو مكروه فقولي قدر الله وما شاء فعل .. ولعلها خيرة ..
ابدأي صفحة جديدة، واطو صفحة الحزن والكآبة، واللهاث وراء الآمال الكاذبة أو الأمنيات المضللة أو العلاقات المتعبة والارتباطات المزعجة ..
وإن تسامت روحك أكثر فارحلي بها إلى السماء متأملة في بديع صنع الله ورحيم أقداره وجميل أفضاله واتساع رحماته… وكوني على العهد ..