علي اليامي
.. هم رجال أفذاذ وضعوا بصماتهم على خارطة الوطن المضيئة.. بذلوا وقتهم وجهدهم وفكرهم خالصاً من أجل خدمة المملكة وقيادتها ومواطنيها في جميع المواقع ونثروا الحب في كل مكان ومازالوا يقدمون الكثير حيثما وجدتهم .. من بين هذا العقد الفريد الأمير السفير والوزير الأديب فهد بن خالد السديري الذي تمثل سيرته الذاتية والمهنية صفحات مشرقة ومسيرة مشرفة على جبين هذا الوطن. في جلسة عفوية معه استطاعت ( الجودة ) أن تدون وتوثق مواقفاً وذكريات لاتنس لتضعها في هذه الباقة المتنوعة من مسيرة هذا الرجل القامة.
بطاقة مهنية
بدأ الأمير فهد السديري حياته في ساحة العمل العام حين عين وكيلاً لوزارة الإعلام،وكانت تلك من أخصب أيام عمله العام حيث تجلت مهارات السديري في في المجال الإعلامي بمختلف وسائله وشكلت مجهوداته في تلك المرحلة نقلة نوعية داخل المؤسسات الإعلامية السعودية بمختلف وسائلها المقروءة والمسموعة والمرئية مازالت مدونة بحروف من ذهب لدى جميع من عاصر تلك الفترة. وبعد تلك المرحلة أنتقل السديري ليعمل سفيراً للمملكة لدى دولة الكويت الشقيقة في نهايه السبعينات من القرن الماضي ومثلت تلك الفترة محطة مهمة في حياتة المهنية وأظهر خلالها قدرات عالية في التعامل الدبلوماسي مقدماً وجهاً ناصعاً للمملكة في الخارج شهد بذلك كل من عمل معه في تلك الحقبة. وبعد سنواته الدبلوماسية الناجحة إنتقل السديري إلى ميدان العمل المباشر مع المواطن حين أختارته القيادة ليشغل منصب أمير إمارة نجران في بدايات ثمانينيات القرن الماضي وكان كعادته عند حسن ظن القيادة والمواطنين فكانت الإنجازات في كل المجالات حاضرة وكانت أبواب السديري مشرعة أمام الجميع.
نجران أولاً
في جلستنا مع الأمير فهد السديري وكعادته دائماً يرحب بكل الأسئلة ويطوف بك بين كل ألوان الحديث في الأدب والسياسة والاجتماع لذلك يكون الحديث معه ذو شجون.. حكي لي أطرافاً من سيرة والده العامرة بالخير وجوانب من المواقف التي لا تنسى في مسيرة حياته الخاصة والعامة إلا أن الرجل كان ومازال شديد الإعتزاز بعمله أميراً لنجران الذي إمتد لسبعة عشرة عاماً تماماً مثل والده الذي قضى بين أهل نجران الفترة نفسها وكما يردد دائماً أن نجران وأهلها لها مكانة خاصة في قلبه وتحظى بتقديره أينما كان وحيثما رحل فهو يحمل معه نجران عشقاً بلا حدود وذكرياته فيها مازالت متوهجة كلما تحدث عنها. ومن ما ذكره لـ ( الجودة) في هذا الخصوص أن بعضاً من الناس كانوا يسألونه عن سر هذا التناغم العجيب الذي يجمع أهل هذه المنطقة وبعدهم عن الطائفية والتشرذم فكان رده لهم أن نجران و أهالي نجران يحترمون هذه الأرض ويقدرون القيم الإنسانية ويحرصون على الوحدة والتماسك. وقال إن ما كان يقوم به أثناء عمله في نجران تركز حول فكرة التعايش الطبيعي بين أهل المنطقة بعيداً عن الخلافات وراء النظرات الاجتماعية الضيقة. ويستدعي السديري في هذا المقام موقف للأمير نايف بن عبد العزيز حين كان وزيراً للداخلية أن أحد الكتاب نشر حديثاً غير مألوف عن نجران وأهلها في مجلة محليه فما كان من السديري ( أمير نجران حينها ) إلا أن هاتف وزير الداخلية الأمير نايف بالأمر ولم لم يتردد الامير نايف في إيقاف المجلة على الفور . يقول فهد السديري بعد ذلك الموقف من الأمير نايف تحدثت مع بعض المشايخ بالمنطقة وأوضحت لهم أن الدولة أتخذت هذا القرار الحازم تأكيداً على منهجها الذي يدعو إلى التلاحم والترابط بين جميع مكونات الوطن الواحد.
صور وذكريات
مجموعات كبيرة من الصور شاهدتها داخل صالون السديري بمزرعته في ( الغاط) تحكي كل واحدة منها يحكي قصة مختلفة من بينها صورة نادرة للملك فيصل بن عبد العزيز وهو في السابعة عشرة من عمره خلال ضم الحجاز للمملكة وتمتد ذاكرة فهد السديري إلى الزيارة التي قام بها الملك سلمان له في هذا المنزل أيام فعالية جائزة السديري التعليمية وحينها أعجب الملك سلمان بالمكان وقال ( لا ألومك يافهد على العيش في هذا المكان الجميل ) ويقول السديري إن هذه المزرعة شهدت زيارات كثيرة لعدد كبير من الأمراء، والوزراء، والسفراء، من داخل المملكة وخارجها. ومازال السديري يستقبل المثقفين بمختلف مواقعهم في هذا المكان الرائع أو بديوانه في قصره بالرياض في جو ثقافي واجتماعي نادر. و يتزين المكان بصور الطبيعة لأن الرجل عاشق للطبيعة منذ نعومة أظافره وما زال محباً لهذه المناظر الخلابة خاصة تلك المرتبطة بنجران ولإزالت قصيدة ملحمة الإبل المشهور للشاعر المعروف (علي إبن بلال) حاضرة في هذا المجلس وتحظى بمكانة خاصة عند فه السديري وعدد كبير من أصدقائه وزواره.
كنز المعرفة
لن تكتمل ضيافتك في مزرعة فهد السديري في الغاط من دون تسجيل زيارة إلى المكتبة التي تضم نفائس من المعرفة والثقافة والأدب والمخطوطات النادرة. في هذا الجزء من المنزل تشعر بأنك أمام رجل صاحب ثقافة واسعة ومعرفة لا تحدها حدود.. نعم هنا تجتمع أصناف المعرفة في مكان واحد و يتجسد إهتمام الشيخ السديري بالفكر وغذاء الروح. وتضم المكتبة آلاف الكتب في مختلف مجالات المعرفة والثقافة والأدب إلا أن أهم ما لفت نظرنا خريطة نادرة توضح حدود الدولة العثمانية في الدول الإسلامية والأوروبية وسيطرتها على الممرات المائية و يقول السديري إن هذه الخريطة تمثل كنزا تاريخيا نادرا، مبينا أنه يحرص على الاحتفاظ بها داخل مكتبته طوال هذه الفترة، حيث عرضت عليه مبالغ طائلة لبيعها، إلا أنه رفض هذا العرض.
لحظة الوداع
بعد الساعات الرائعة التي قضتها ( الجودة) في رحاب مزرعة فهد السديري بالغاط ورافقنا الرجل بتواضعه المعهود إلى خارج المنزل حيث تقف السيارة التي ستقل فريق ( الجودة) وهو يصر علينا لتكرار الزيارة وهنا تملكني إحساس غامر عن هذا الرجل ومدى حبه للناس وقربه منهم في كل الأوقات وأمتدت الدهشة إلى صديقي المصور ( سلطان السالم ) الذي رافقنا في هذه الزيارة و قال لي إنه لم ير إنساناً بهذا التواضع والكرم في حياته فقلت له إنه فهد السديري الأمير والسفير والأديب والقريب من الناس جميعاً.