على اليامي
.. فعلاً .. الرموز لا يرحلون أبداً .. هم باقون معنا وإن فارقت أجسادهم دنيانا الفانية لأن بصماتهم الصادقة، وإنجازاتهم العملية، ومواقفهم الإنسانية تظل تمشي بيننا خالدة مثل أصحابها من جيل إلى جيل.. وما أكثر الرموز المشرقة في بلادي، ومن هؤلاء الرجال الراحل المقيم عميد الدبلوماسية العالمية صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل – رحمة الله عليه – الذي كان ومازال يشكل حالة فريدة ليس في العمل السياسي والدبلوماسي فحسب بل هو مرجع في التعامل الإنساني وقمة من قمم التواضع مع الصغير قبل الكبير.. عادت بي هذه الذكريات وأنا أشاهد السفير السعودي السابق لدى لبنان علي عواض عسيري وهو يتحدث في برنامج ( من الصفر) على قناة ( mbc) الذي يقدمه الإعلامي مفيد النويصر عن الأمير سعود الفيصل وذلك ضمن تناوله لمسيرة حياته العملية والدبلوماسية التي تشكلت على يد وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل كما هو الحال مع المئات من أبناء هذا البلد الذين عملوا في هذا المجال، وما لفت نظري في هذا الحديث الشيق قصة بسيطة سردها السفير عواض وهو يحكي عن القيمة الإنسانية لعميد الدبلوماسية العالمية يقول : في أثناء زيارة للأمير سعود إلى إسلام أباد وبعد لقائه بالرئيس الباكستاني حتى التاسعة مساء قرر العودة إلى المملكة إلا أن الأجواء كانت عاصفة فتم إبلاغه بإستحالة الإقلاع في هذا الظرف وحينها سأل الأمير سعود السفير عواض بكل بساطة وأريحية : هل يسعنا بيتك لقضاء الليلة؟ ورد السفير : على الرحب والسعة وإنه لشرف لنا أن نستضيفك في منزلنا .. ثم أخذ يحدث زوجته بالهاتف لتحضير العشاء لوزير الخارجية مع ثلاثة مراقبين برفقته .. يقول السفير عواض حين دخل الأمير سعود إلى المنزل قام على الفور بنزع المشلح والشماغ وجلس بينهم مواطناً عادياً بل طلب رؤية أولاده الصغار وتحدث إليهم ومازحهم كما يفعل الأب مع أبنائه وكانت تلك قصة عابرة ولكنها تعكس مدى إرتباط هذا الأمير بالناس وحرصه على أن يكون واحداً منهم وقريباً إليهم وأن مسؤولياته الكبيرة لم تمنعه من القيام بدوره الإنساني في كل الظروف والأحوال..
.. نعم هكذا عاش ورحل الأمير سعود الفيصل أخاً وصديقاً وأباً للجميع .. متواضعاً .. سمح المعشر .. لين الجانب .. رهيف المشاعر وفي المقابل صلباً وقوياً وثابتاً حين يتعلق الأمر بالمواقف الدبلوماسية فاستحق بجدارة لقب زعيم الدبلوماسية والإنسانية . لك الرحمة سعود الفيصل الوزير الإنسان ، ولنا العزاء أن روحك الطيبة مازالت ترفرف بيننا تلهمنا تلك القيم النبيلة.