علي اليامي
…مهنة الصحافة والاعلام عموما هي تجسيد لطبيعة حياة الناس ونقل تفاصيلها في كل زمان ومكان، والصحفي الحقيقي هو من يستطيع نقل تلك التفاصيل بكل أمانة وتجرد لأن ما يكتبه يمثل توثيق لما شاهده وعايشه خلال فترة بعينها، و من هنا تشكل المصداقية والمهنية اساس عمل الصحفي.
.. والذاكرة الصحفية تظل دائما هي المخزون الذي لا ينضب يستدعيه الإعلامي كلما فرضت الأحداث نفسها أو أعادت الأيام شريط الذكريات في جميع مجالات الحياة ، وتبقى الصورة الذهنية النابعة من صميم الماضي خير زاد لتجليات الحاضر.
.. اسوق هذه المقدمة اللازمة وانا بالأمس القريب كنت أقلب خزينة الذكريات الجميلة حيث وقع في يدي نسخة من العدد الأول من مجلة (أخدود نجران ) ويا لها من أيام لا تنس ، هذه المجلة التي تشرفت باصدارها على أيام أمير نجران الأسبق صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الذي شكل عهد سموه في نجران طفرة تنموية واقتصادية ورياضية وثقافية بالمنطقة تتواصل مسيرتها حاليا على ايامنا هذه على يد الأمير جلوي بن عبد العزيز ونائبه تركي بن هذلول.
… نعم تلك أيام لها إيقاع خاص ونكهة مميزة ، وقصة ميلاد لا تنسى للعدد الأول من مجلة (أخدود نجران).. أذكر بعد صدور الأمر السامي من خادم الحرمين الشريفين ملك الإنسانية الراحل عبد الله بن عبد العزيز بتعيين الأمير مشعل أميرا على نجران بتاريخ الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر ٢٠٠٩م .
.. مازلت استرجع شريط تلك الأيام والفرحة الكبرى التي عمت أهل نجران بهذا التعيين واحتفالهم بالأمير مشعل وتوسمهم الخير على يديه قبل أن يحط رحالة بنجران حينها فكرت في اصدار مجلة تعبر عن الواقع الجديد في المنطقة ،وتعكس روح التماسك الاجتماعي ، وتتلمس تطلعات ابنائها فكانت مجلة (أخدود نجران) … عشرون يوما فقط لاغير وكان المجلة في ١٤٩ صفحة وتم طباعة ١٠ آلاف نسخة من العدد الأول .. وقتها كان الأمير مشعل يستقبل وفود المهنئين بتعيينه أميرا على نجران بقصره في الرياض .. ومكث سموه شهرا كاملا يستقبل الوزراء، والأعيان، وتتسابق وسائل الإعلام لنيل فرصة اجراء حوار أو الفوز بلقاء مع سموه وكنت من المبادرين لاقتناص هذا الشرف العظيم فتواصلت مع مدير مكتب الأمير مشعل وكان حينها الرجل الطيب والمتواضع مساعد العثمان ولم تمض غير ايام قليلات حتى هاتفني العثمان وبشرني بموافقة الأمير على إستقبالي يوم الأحد ، ومن ساعتها توجهت من القصيم إلى الرياض وبعد أن استقر بي الحال في الرياض عاد مساعد العثمان ليخبرني بتأجيل اللقاء إلى مساء الأثنين وقد كان.. وأذكر أنني توجهت إلى قصر الأمير مشعل وعند دخولي لمحت عدد من الزوار وكان الفنان خالد عبد الرحمن يتقدم مجموعة من الحضور في صلاة العشاء وبعدها علمت أنه كان ينتظر مقابلة الأمير بخصوص تقديم الدعوة لسموه لحضور حفل زواجه .. بعد دخول الفنان خالد انتظرت ساعة وانا افكر في كيفية لقائي بالأمير مشعل وتتزاحم الافكار في ذهني وارتب افكاري التي قطعها صوت مساعد العثمان وهو يدعوني إلى الدخول وتوجهت فورا نحو مكتب الأمير مشعل وعند استقباله لي شعرت أنني اعرفه منذ سنوات وسنوات ورحب بي على طريقة أهل نجران كأنه واحد منهم وقال لي بتواضع غير مسبوق : تفضل أخي علي وطلب القهوة لي في اريحية كاملة كانني واحد من اصدقائه القدامى وكان منشرحا و متبسطا في حديثه معي وقال لي بالحرف الواحد: أخي علي أنا ذاهب إلى نجران وكل همي اسعاد أهلي هناك وتحقيق آمالهم ومعرفه احوالهم .. قلت له تواضعك يا سمو الأمير ، واصرارك ونهجك الحضاري كفيل بتذليل كل الصعاب .. وانتهزت فرصة اللقاء واهديت الأمير مشعل نسخة من العدد الأول لمحلة (أخدود نجران) ا لذي اشتمل على مقالات صريحة وكلمات وطنية ناصحة وطلبت منه الأمان لكتابها ، في تلك اللحظة قال لي سموه وهو يبتسم : أنا لن اتعامل مع اصحاب الاقلام والفكر إلا بلغة الراي والراي الآخر والمناصحة. مادام هم يسعون إلى خدمة الوطن والمواطن فهم يستحقون مني كل التقدير وإن نجران مثل كل مناطق المملكة غالية علينا جميعا وقال لي ايضا أنه سيدعم هذه المجلة وكل عمل إعلامي جاد ومفيد و وعدني بعدها بالاطلاع على المجلة ثم ودعت سموه بعد لقاء استمر ساعة وعشرين دقيقة وكان وداعه مثل استقباله لي قمة في الترحاب والبشاشة .
.. بعد لقائي الأمير مشعل هاتفت الوالد زيد بن شويل واطلعته على تفاصيل اللقاء فقال لي هذا ليس بمستغرب فمشعل ابن ملك وحفيد مؤسس وتأكد بأنه اجمل هديه لنجران واهلها.. ولم تمض سوى ساعتين على مهاتفتي لزيد بن شويل حتى اتصل بي رئيس جمعية الثقافة والفنون بنجران محمد آل مردف وابلغني بأنه يستعد بإشراف المبدع زياد بن غضيف لتقديم اوبريت بمناسبة تعيين مشعل بن عبد الله أميرا على نجران.
… ومرت الأيام وقابلت الأمير مشعل في جدة العدد الثاني من المجلة وقال لي لابد أن تستمر هذه المجلة في الصدور خدمة لاهل نجران وبالفعل واصلت المجلة مسيرتها حتى العدد الرابع عشر..
.. هكذا هو الأمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز كان ومازال يصنع الفرح اينما كان ويشجع الابداع والافكار المفيدة ويظل تواضعه وتعامله الإنساني مع الجميع هو العنوان الابرز في حياته العامرة بالخير والزاخرة بالإنجازات ، وسموه حتى اليوم متاحا في كل الاوقات ولا أذكر اني هاتفته في اي وقت إلا كان في الموعد وعند حسن الظن بسموه.
