تقرير : محمد محمد نور
… أنت متدين إذاً أنت أقرب للتطرف أو مشروع ارهابي منتظر وإن كنت مسلماً فإن هذا التوصيف قد ينطبق عليك جملة وتفصيلاً .. هكذا هو الانطباع العام الذي بات يسبغه العالم الغربي على المسلمين عموماً .. و يبدو أن الفشل مازال قائما في وضع تعريف محدد لماهية التطرف ولكن البعض يرى أن اتخاذ الفرد موقفاً متشدداً يتسم بالقطيعة في الاستجابة للمواقف الاجتماعية والدينية في بيئته سلباً أو ايجاباً هو ضرب من التطرف ، بينما يرى آخرون أن التطرف هو الخروج عن القواعد الفكرية والاساليب السلوكية الشائعة في المجتمع والتعبير عنها بالغلو الذي يصل إلى حد العنف بشكل فردي أوجماعي منظم لفرض الرأي بالقوة. ومن هنا تبدأ الحاجة إلى ما يعرف بالمناعة الفكرية لحماية الأفراد والمجتمعات من آفة التطرف والتعصب والكراهية وتوفير السلم الاجتماعي بين مكونات هذه المجتمعات ولكن هذا السلم الاجتماعي – كما يرى كثيرون – ليس وصفة جاهزة تملك تعريفاً واضحاً يمكن الاحتكام إليه أو الاستدلال عليه، ولا يملك أحد أيضاً السُلطة الفكريَّة أو الإيديولوجيَّة ليقدّمه للناس، وهو ببساطة العقد الاجتماعي الذي تنتظم حوله أغلبيَّة الناس.
( الجودة ) حاولت من خلال مقاربات مباشرة تشخيص أهمية السلم الاجتماعي في التخفيف من حدة التطرف الفكري والديني وكيفية توجيه الطاقات نحو دحض فرية الارهاب عن الإسلام والمسلمين في وقتنا الحاضر ..
العدل والاعتدال
ابتدر مدير مركز دراسات الإسلام والعالم المعاصر في السودان الدكتور أحمد عبد الجليل الكاروري تشخيص حالة التطرف لـ ( الجودة ) بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وجد إبي أمامة في المسجد في غير وقت الصلاة فقال : (مالي أراك في المسجد في غير وقت صلاة ) وأشار إلى أن التعقيب النبوي على فعل الصحابي ربما يفترض أن يكون ثناء على الصحابي ودعوة إلى مزيد من الاجتهاد في الارتباط بدور العبادة ومكان الذكر إلا أن هذا الاستدراك النبوي يشير إلى تخوف الرسول صلى الله عليه وسلم من تجاوز الناس للحد في شأن العبادة بما ينقلهم من العدل إلى الجور ومن الاستقامة إلى الميل ، ويشير الكاروري إلى أن شريعة الاسلام تمتاز بالاعتدال والاتزان والتوسط في كل شيئ فإذا غلا الناس في شأن من الأمور فليعلموا أن ذلك مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزيد قائلاً : إن أول بوادر التطرف في الأفعال والأفكار هو الجهل على اختلاف ضروبه فهناك جهل بأمر الشرع ومقاصده وهناك جهل بالعصر وطبيعته وكل منهما يتسبب في نوع من ألوان الانحراف وبعض الناس يغفل عن أن احاطته بعلم من العلوم لا تعني رسوخه في علوم الشرع ومقاصد الدين فيتفحم الافتاء لنفسه والناس فيفسد أكثر مما يصلح . ويرى الكاروري أن أهم أنواع الجهل المؤدي للغلو هوالجهل بترتيب الأولويات أو الجهل بنسب الأفعال وأوزانها وذلك الذي زلت فيه أقدام الخواج فكفروا الناس بارتكاب الكبائر أن ذلك ليس بمسوغ لتكفير الناس .
برلمان إسلامي
… يقرر أستاذ الإعلام الدولي واختلاف الثقافات الدكتور فهد المليكي بأن الاسلام الحقيقي واضح وثوابته راسخه لا تحتاج إلى إضافات أو فلسفات جديدة مثلما يعمل ويقول بعض الخارجين عن مسار الملة أو الذين يحاولون اقحام افكار غريبة على الدين لخدمة تيارات ضالة ومسارات مضللة . ويشخص المليكي واقع ما نراه من تطرف وتشدد في الأفكار من قبل بعض الجماعات بأنها مجموعات إجرامية ليس لها صلة بالدين والتدين وأنها اصبحت بفعل اساليبها الإجرامية ودعواتها العنيفة خارجة عن حظيرة المجتمع الإسلامي العاقل والمتزن والمسالم ومن هنا أصبحت أفعال هذه المجموعات – حسب المليكي – شماعة يعلق عليها أعداء الإسلام والمسلمين كل ما يحدث من أعمال عنف في العالم والدين الإسلامي وتعاليمه بعيدة كل البعد وبرئية عما يفعل هؤلاء ، ويشير إلى أن اتساع الرقعة الجغرافية للاسلام والانتشار الواسع له عبر أدوات التواصل الاجتماعي والفضائيات بجانب الوعي المتزايد وسط أبناء المسلمين بتلك الدول وسعي هذه الأجيال بدول الغرب للتعرف على دينهم جعل الإسلام يشكل قوة عظمى داخل تلك المجتمعات ومن هنا كانت هذه الهجمة الشرسة والمحاولات المستمرة لوصم هذا الدين المسالم بكل ما هو عنيف مستخدمين آله إعلامية ضخمة وأموال مرصودة لتحقيق هذا الهدف . ويرى د. المليكي أن هذه الهجمة لن تتوقف مالم يعمل المسلمون على الاهتمام بالشباب الذين يعيشون داخل تلك البلدان وتمليكهم الصورة الحقيقة للإسلام بعيداً عن التشوهات التي احدثتها الجماعات المتطرفة حتى يتمكنوا من تغيير الفهم الخاطئ عن الإسلام والمسلمين ، واقترح تشكيل برلمان اسلامي جامع من الدعاة والخبراء وأصحاب المهارات في اللغة والتواصل الاجتماعي لمواجهة ما اسماه بالجهات الحاقدة على الإسلام .
أمراض عارضة
يرى د.سيد أحمد ( جامعة الجزائر ) أن الإسلام هو دين الوسطية في كل شيئ متنزهاً عن الانحرافات الفكرية والخرافات فالحق عز وجل يقول في محكم التنزيل ( وكذلك جعلنكم أمّة وسطا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيداً) . و ما نراه اليوم من انزلاقات عقائدية هي مجرد انحرافات لا تمثل إلا أصحابه وليس لها اسناد شرعي من الكتاب والسنة ويشير إلى أن ضبط السلوك الديني والفكري للشباب المسلم رهين بوجود البيئة الاجتماعية الإسلامية الواعية بدورها التربوي الحساس في ظل الواقع الذي نعيشه اليوم واصفاً التطرف الفكري والتشدد الديني بالامراض العارضة التي يتم علاجها إلا بمزيد من الوعي ونشر المفاهيم المعتدلة وترسيخ ثقافة قبول الآخر غض النظر عن حجم الاختلافات الفكرية محملاً الدعاة والجمعيات الدينية والمؤسسات التعليمية صاحبة الفكر المعتدل المساهمة بصورة أكبر في توسيع دائرة الوسطية وتعزيز ثقافة المقاصد الشرعية النبيلة .
تسويق
صنف الأمين العام المساعد للمنظمة العربية للسياحة دكتور حسام درويش البيئة المغالية والضغط والاكراه وغياب القدوة وانتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة على رأس قائمة الأسباب المؤدية إلى التطرف الديني والفكري وقال : إن غياب الرقابة على مصادر المعرفة والتلقى عن الجهلة وانفلات اطلاق الفتاوى ساهم بصورة مباشرة في انتشار الأفكار المضللة عبر وسائط التواصل المفتوحة ، وعزا درويش مهددات السلم الاجتماعي داخل الدول الإسلامية وكثير من البلدان الغربية إلى وجود افراد وجماعات ومؤسسات تعليمية تساهم بقوة في نشر ثقافة التطرف الفكري والتشدد الديني ومقابلة حق التعبير بالعنف الأمر الذي أفرغ حالة من القلق والتوتر لدى الشباب . ويرى درويش بأن الوسطية في المدرسة والمسجد و وسائل الإعلام يمكن أن تشكل الأدوات الأكثر نجاعة في محاربة بذور التطرف وتسويق ثقافة السلم الاجتماعي وقبول الآخر .
صناعة إعلامية
ويعود دكتور أحمد الكاروري منبهاً إلى أنه مع انتشار وسائل الإعلام الحديث أصبح هناك ارتباط بين التدين والتطرف وليس الأمر كذلك فما تنزل الدين إلا لإقامة العدل : ( ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) ، ونحسب أن دعاوى التطرف المثارة في زماننا والتخويف الزائد في بلاد الغرب من الإسلام كثير منه صناعة إعلامية وليس بالضرورة أنه تلفيق وزيف ولكنه تهويل لحوادث جزئية لا أثر لها في بحر الايجابيات الكثيرة في الإسلام . ويرى مديرمركز دراسات الإسلام والعالم المعاصر أن على أهل الإسلام أن ينبروا للدفاع عن دينهم وأن يأخذوا بيد الغالين ويأطروهم على الحق أطراً و أن أرباب المنابر وأهل الدعوة لهم القدح المعلى في ذلك بما لهم من رسوخ علمي ومنهج وسطي مقبول وأن أفضل علاج للتطرف هو زيادة الحصيلة العلمية والمعرفية للشباب بما يؤهلهم لوضع كل أمر في محله ويزنوا كل فعل بقسطاطه في زمن نشهد فيه من يكفر المسلمين إذ قال قائل منهم لغير المسلم يا أخي وجهلوا قول الله تعالى (وإلى عاد أخاهم هوداً ) فليس الأخوة في الدين وحده فهناك أخوة في النسب وأخوة في الوطن وأخوة في الإنسانية ، وأنتهى إلى القول بأن العلماء في زماننا المعاصر تقع عليهم تبعة ثقيلة تتمثل في وجوب الحراك الدعوي على محورين أولهما في البناء المتكامل لأفراد الأمة بما يؤهلهم لتمثل معاني الدين في وسطية واعتدال في الاعتقاد والأعمال والأخر يتعلق بمواكبة المستجداتوالرد على الشبهات في وضوح وابانة في ظل انفتاح فضاءات الغعلام وتطور وسائط التقانة .