خلك بحر!!
تمر بنا في حياتنا اليومية الكثير من المواقف التي قد يستفزنا أحدها ويتعبها بعضها ويرهقنا بتفاصيلها التي تتسلل إلى دواخل أنفسنا بعضها الآخر فتخدشنا من هنا وهناك؛ تاركة بعض الأثر والندوب الصغيرة؛ فتتراكم بعضها على بعض حتى لتكاد تعصف بنا في لحظات ضعفنا وتتراكم فوق بعضها كالأمواج المتلاطمة فتغرقنا في خضمها وتغوص بنا في داخلها العميق عبر مشاعر من الاستياء والغضب؛ ومن الحزن والأسى؛ أو شيء من التوتر والضغط المستمر ..
ولكن لو تأملت هنيهة في هذه الأمواج المتلاطمة من المشاعر المبنية على عدد من المواقف التي لا نستطيع التحكم فيها بل هي من لوازم حياتنا اليومية؛ لرأيت أن عمل كنترول بسيط على مشاعرك وتحكم كبير في سلوكياتك وردود أفعالك لهو كفيل بتجنيبك الكثير من الإنزعاج والتوتر والضغط النفسي؛
(خلك بحر) اجعل نفسك كالبحر العميق في حكمة متزنة؛ ومشاعر دفاقة؛ وأخلاق دمثة؛ وحسن تعامل وواسع تفهم للآخرين ولردود أفعالهم؛
فالعامل الذي يسىء عمله؛ أو الموظف الذي يسىء تصرفه؛ أو الطالب المقصر في واجباته؛ وكذلك المعلم أو المعلمة؛ وغيرهم كالزوج أو الزوجة والكثيرون الذي قد يمرون بمواقف تتعبهم فيتصرفون وفقا لها بمشاعر وردود أفعال قد نستنكرها منهم وتستفزنا أحيانا؛ لذلك ابسط قلبك لهم وتفهم الجميع وادفع بالتي هي أحسن .. و(خلك بحر) فأنت بعمق نظرتك وبعد فراستك ونباهة ذهنك وحسن خلقك وأصالة طبعك سترى أن دوافعهم ليست الإساءة حتما؛ وليس القصد إزعاجك بالذات ولكن قد يكون لكل واحد منهم سببه ودافعه الخاص به الذي قد يكون ضغطا نفسيا أو تعبا مر به أو سوء فهم وتقدير؛ فأيا كانت الأسباب والدوافع التي تدفعهم لهذه التصرفات؛ فإن احتواءك للموقف وردة فعلك العميقة والشاملة لجوانبك الإنسانية والأخلاقية تجعلك كالبحر الذي يزخر بأنواع الأحجار الكريمة والدرر الثمينة؛ ويدفن بأعماقه مخلفات الآخرين وما يتساقط بجوفه من كائنات ميتة؛
فهو ينظف نفسه بنفسه بعمق قاعه وسعة امتداده؛ وارتفاع أمواجه التي تعلو فتبتلع كل إساءة وكل محاولة لتدنيسه؛ فتعود أصفى ما تكون .. فنرى الأفق من خلاله رائعا بهيا وكأن شيئا لم يكن!!
تقول (جوناثان مارتينسون):
“لا تتشبث بما يؤلمك؛ المشاعر تشبه الأمواج بشكل كبير؛ فلا يمكننا إيقافها عن التدفق ولكن يمكننا أن نختار الموجة التي نركبها”
ولهذا فإنك تستطيع أن تحدد ردة فعلك تجاه الأشياء التي تؤذيك، والمواقف والأحداث التي لا تروق لك والتي قد يفاجئك بعضها فيختل استقرارك ويتغير نظامك؛
فمثلا بإمكانك أن تقول: _ الجو اليوم ماطر وسيء لن أتمكن من الخروج لإنهاء أعمالي!_ وبإمكانك أن تقول: ياإلهي إن الجو الماطر اليوم يجعلني أمكث في البيت وأقرأ كتابي المفضل!! وهذه فرصة قد لا تجدها إلا بمثل هذه المواقف ..
لذا فطريقة تعاملك مع المواقف والأشخاص هي ما تحدد وتتحكم في درجة راحتك واستقرارك إلى حد كبير؛
يقول (تشارلز آر. سويندول):
” لا يمكننا تغيير ماضينا؛ ولا يمكننا تغيير حقيقة أن الناس يعملون بالطريقة ذاتها؛ لايمكننا تغيير القدر؛ أما الشيء الوحيد الذي يمكننا عمله فهو اللعب على الوتر الوحيد الذي نملكه وهو سلوكنا ”
أن تكون متفهما وكبير النفس بعيد النظرة .. فهذه خصال العظماء والكبار،
ومثال على ذلك سلوك الرجل في بيته فحيث يغضي الطرف عن كثير من التقصير أو الخلل الموجود في تعامل زوجته أو تأدية بعض حقوقه عليها؛
فهو بهذا يمتثل أمر القوامة حقا؛ ولهذا قال ابن عباس (( لا أحب أن أستنطف كل حقي عليها )) وهذه شيم الأكابر .. وخلق الإسلام .. وأخلاق المسلمين ..
(فخلك بحر)