علي اليامي
هكذا هم البسطاء … يدخلون إلى هذه الدنيا بلا ضجيج أو ضوضاء ثم ينسلون منها بهدو تام كما جاءوا رغم صخب الحياة من حولهم وهم لا يملكون في هذه الحياة إلا قلوب معمورة بالحب والمودة وسماحة التواصل ولهذا فهم مختلفون بل هم نادرون لأنهم يجسدون الإنسانية المجردة من أثقال المادة والمشبعة بروح القناعة والصفاء والإلفة..
… (جبرالحقوي) الذي رحل عن دنيانا الفانية في هذه الأيام هو واحد من تلك القبيلة الفاضلة .. صاحب روح شفافة ومعشر لين وابتسامة وضاءة ورحابة صدر تتسع لكل الناس .. جبر الحقوي ذاك الإنسان المثال الذي كان لا يجد متعته إلا في خدمة الآخرين … عرفته مثل غيري في نجران نهر من فيض المحبة .. كان بسيطاً في كل شيئ .. متاعه وثروته في هذه الدنيا مكنوزة في طيبة القلب ونقاء النفس وحسن السريرة وبشاشة الوجه ويا لها من ثروة عظيمة ..
.. هو مجرد حارس مدرسة للبنات في نجران منذ العام 1982م .. جاء من قرية صغيرة تسمى ( الحقو ) في جازان فأرتبط اسمه برسمها …لم ينل ألقاباً أويتوشح بنياشين وأوسمه ولكنه كسب محبة الجميع لأجيال وأجيال لأن هؤلاء الجميع كانوا يرون فيه إنساناً مختلفاً مزين بالرضا والقناعة رأوا فيه ما يفتقدونه في أنفسهم رغم يسر حالهم وكثرة مالهم كان يمثل لهم مزاراً جميلاً في جميع أوقاتهم يستقبلهم بطلاقة نادرة يدير عليهم ( فناجيل ) قهوته الصباحية المعتقة يوزعها على زواره تحت شجرته الظليلة بسخاء لا يعرف الحدود وأريحية غير متكلفة .. قهوة بمذاق الحب ونكهة المحبة. ولم تمنعه بساطة حاله وقلة ماله من خدمة الناس كل الناس فكانت شفاعته حاضرة للصغير قبل الكبير فكسب ودهم واحترامهم ونال رضا المسؤولين منهم خاصة في مديرية التعليم.
.. كان منزل جبر الحقوي عبارة عن غرفتين حولها عريش من الخوص يعيش فيه بكامل الرضا مع أسرته الصغيرة البسيطة مترفين بالقناعة ومع ذلك كان هذا المنزل لا يخلو في ساعة من زائر أو ضيف ..
… ما أروعك يا جبر وما أجمل الإنسانية الصافية التي جسدتها في كل حياتك واقعاً يسعى بين الناس ولم يقعدك فقرك ولا عوزك من أن تكون مثالاً للكرم والصدق .. نحن اليوم نبكيك دمعاً ودماً لأنك كنت ضوءً ساطعاً في حياتنا وكنت خزانة وفاء في زمن قل بين الناس فيه الوفاء .. نفتقدك لأنك معلم في بساطة الحياة .. ويفتقدك من عرفك لأنك كنت بينهم جار صدوق وأخ كريم و مصدر فرحة لكل من عرفك منهم …
… هكذا رحل جبر الحقوي الإنسان النموذج البسيط في مدينة جدة ولم يحس برحيله أحد تماماً كما جاء إلى هذه الدنيا ولكننا عرفناه وتعلمنا منه دورساً في القناعة .. طبت حياً وميتاً أيها الرجل العظيم جبر الحقوي وإلى جنات الفردوس بإذن الله ( إنا لله وانا إليه رجعون ).
