حوار : علي اليامي
… في العادة الحوار مع الأمير والسفير فهد بن خالد السديري له نكهة خاصة وطعم مختلف ليس لأنه أميرًا وابن أمير ووزير فحسب بل أن كثافة الرجل الثقافية وعوالمه الجمالية وسيرته المهنية هي التي تجعل منه مادة ثرية تستحق الفحص والمراجعة والمتابعة تمامًا كما هي جديرة بالقراءة والتأمل …ولأنه يعشق الفضاءات الرحيبة ويستأنس بالخضرة والمساحات الممتدة ضربت الجودة موعدًا معه في مملكته الخاصة أو بالأحرى مزرعته ( الغاط ) … وكعادته يستقبلك و تسبقه الابتسامة ومجلسه دوحة وارفة الظلال لطلاب المعرفة وأصحاب الحاجات على حد سواء … جلسنا إليه وهو محاط بالبشاشة والترحاب ، وطرحنا عليه حزمة من الأسئلة ما بين الخاص والعام فلم يمل أبدًا بل كان يقول هل من مزيد … أطراف من سيرة والده ، وجوانب من مسيرته الذاتية ، وأطياف من الغاط وزواره من أصحاب السمو الأمراء ، وأشياء وأشتات أخرى كثيرة كانت حاضرة في هذا الحوار … فلنتابع معًا :
• الحديث مع سموكم لا يمكن استهلاله دون التطرق إلى ملامح من سيرة والدكم الراحل المقيم سمو الأمير خالد السديري فماذا أنت قائل في هذا المقام؟
والدي الأمير خالد بن أحمد بن محمد السديري المعروف أنه خال أبناء مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود كان من أبرز وأشجع قادة جيش الملك المؤسس كما عرف بولائه وذكائه وحكمته السياسية وحنكته العسكرية وخبرته الاجتماعية ، تعلم الوالد على أيادي عدد من رجال الدين والمشايخ في الرياض وتتلمذ كذلك على مجموعة من الأدباء السوريين بمدينة أبها لإتقان اللغة العربية بعدها تم تعيينه أمير بمنطقة جازان، ثم الظهران ثم انتقل بعدها مستشارًا للملك عبدالعزيز في الشعبة السياسية بالديوان الملكي ثم عين أميراً على تبوك، ثم وزيراً للزراعة، وبعد تقاعده كلف أميراً على نجران. وقد حرص الوالد – رحمة الله عليه – على تعليم جميع أبنائه في كل المستويات الأكاديمية والعسكرية حيث كان محبًا للتعليم والتعلم وحين عين أميرًا على جازان والظهران وتبوك حرص على تقديم جوائز قيمة للطلاب المتميزين تشجيعًا لهم واعترافًا بتفوقهم .
• شغلتم عدة مناصب قيادية ودبلوماسية من بينها تقلدكم منصب سفير المملكة العربية السعودية لدى دولة الكويت الشقيقة … كيف كانت تلك التجربة وما أهم انجازاتكم خلالها ؟
نعم جاء اختياري لهذا المنصب الدبلوماسي في عهد الملك الراحل فهد بن عبد العزيز ، وهو من أرسلني سفيراً إلى هناك، وكانت مهمة العمل الدبلوماسي في الكويت فرصة طيبة بالنسبة لي بحكم قربها الجغرافي والثقافي من المملكة بجانب الأواصر الأخرى المشتركة وكل هذه الأمور سهلت من مهمتي كسفير للمملكة وساهمت في إرساء علاقات مثمرة بين الدولتين . ومن أكثر القضايا التي شغلت بالي في تلك الفترة أحوال المواطنين الموجودين بالمنطقة المحايدة بين البلدين ، وكان من المهم رعاية شؤونهم، وكنت حريصاً وقتها على القيام بهذا الأمر خاصة وأنني قبلها قد عملت بشركة ( جي .تي ) وتعرفت عن قرب على المشاكل العمالية وبذلنا جهودًا مقدرة لتحسين أوضاع السعوديين من الجالية أو من عمال ( جي . تي ) .
• تقلدتم – أيضاً – في مرحلة من حياتكم العملية منصب وكيل وزارة الإعلام للشؤون الإعلامية كيف تنظرون إلى أداء الإعلام وقتها مقارنة بما هو موجود اليوم ؟
– بالطبع لكل مرحلة ظروفها وأدواتها ومن هنا تصبح المقارنة غير عادلة لكني أتمنى أن يركز الإعلام السعودي الآن على خدمة قضايا المجتمع في المملكة بالعمل على كشف الحقائق ومساعدة المسؤولين وتبصيرهم بمواضع الخلل من دون إثارة ومبالغة وكما يقولون : (صديقك من صدقك)، كما يجب أن يركز الإعلام على ضرورة مشاركة الشعب للدولة في كل خطوات التطوير والنهضة التي تشهدها المملكة . وأعيب على الإعلام المقروء اهتمامه بجانب الكم قبل الكيف ويظهر ذلك من خلال عدد الصفحات الكثيرة التي تحتويها الصحف مع أن القارئ اليوم في ظل انتشار وسائط التواصل الحديثة لم يعد لديه كثير من الوقت للقراءة .
• ارتبطت فترة عملكم أميرًا على نجران بمواقف وانجازات كثيرة إلا ان الذاكرة النجرانية ما زالت تحتفظ بقصة إمداد التيار الكهربائي لعدد من قرى المنطقة حين كان الدكتور غازي القصيبي – رحمه الله – وزيرًا للكهرباء … نود سماع تفاصيل هذا القصة .
– في الواقع وقتها كان يجري العمل في توسيع شبكة الكهرباء في نجران كان يوجد مشروع لتوسيع الكهرباء في منطقة نجران وصادف أن سجل الدكتور غازي القصيبي – رحمه الله – زيارة إلى المنطقة ولدى وصوله عقدت معه اجتماعًا فعرض علي المشروع فأوضحت له بأن المشروع الذي بحوزته قائمًا أصلاً ولكن هناك عدد من القرى والمحافظات مثل يدمه وبدر الجنوب وهدادة وحبونا وقطن وثار لم يصلها التيار الكهربائي فدهش الدكتور القصيبي وقال لي إن الخبراء لم يذكروا القرى في خطتهم وبعدها دعوت الدكتور لزيارة هذه القرى والوقوف على الحقيقة من أرض الواقع وبالفعل قمنا بجولة على تلك القرى وحينها أظهر أهل قرية يدمة ذكاء كبيرًا حين نظموا حفلاً لاستقبال الوزير على أضواء ( التريك والفانوس ) فلم يكن أمام القصيبي إلا أن يقتنع بحاجتهم إلى الكهرباء ثم التفت إلي قائلاً : ( يا فهد … أحد عشر يومًا فقط سيصلك المهندسون لتخطيط المشروع وستعم الكهرباء جميع القرى والمحافظات التي زرتها ) .. فقلت له : أنا لست غريباً عن الجهاز الحكومي ! فأكد لي أنه سيفي بوعده خلال الفترة التي حددها لي .. وبالفعل حدث بعدها أن التقى الوزير القصيبي الملك فهد بالمطار وهو في طريقه على جدة وهمس في أذنه بمشكلة كهرباء نجران فما كان من الملك فهد إلا أن استدعى الوزير محمد أبا الخيل الذي كان برفقته في تلك الرحلة وأمر في نفس اللحظة بزيادة الميزانية المخصصة لكهرباء نجران لتشمل القرى التي زارها الوزير وقبل الموعد المحدد بيوم واحد (أي بعد عشرة أيام) حضر المهندسون إلى المنطقة، وأوفى الدكتور غازي بالوعد الذي قطعه على نفسه .
• موقف آخر لا ينسى من ذاكرة الأمير فهد السديري في نجران .
– تمثل ذلك في الزيارة التاريخية التي قام بها الراحل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله عندما كان ولياً للعهد عام 1407هـ كم كانت فرحة أهل نجران كبيرة بتلك الزيارة ، وأذكر كيف خرج طلابنا من المدارس وهم يحملون الأعلام من العريسة وحتى مكان إقامة ولي العهد و الاحتفالية التي أقيمت في ملعب التعليم في تلك المناسبة التي ما زال ملعب التعليم يحتفظ بتلك الصور التاريخية لزيارة الملك الميمونة. * ماذا بقي لدى الأمير فهد من ذاكرة أيام نجران ؟
– – أهالي نجران أوفياء بطبعهم وما زالوا يواصلون زيارتي وأنا من جانبي أكن لهم كثير من الحب والتقدير وحتى اليوم لدي كثير من الصور والذكريات الجميلة في مجلسي وسوف تظل علاقتي بهم ممتدة – بإذن الله – والدولة من جانبها تبذل كل جهدها لتطوير المنطقة والنهوض بها في كل المجالات وكل ما قمت به أنا في نجران كان جزء من الواجب الذي أملته علي ظروف موقعي بالإمارة ، وأتمنى دائمًا أن تنعم نجران وأهل نجران بالخير والسلام والرخاء .
–
–
• فهد السديري لديه انطباعات سالبة عن الشباب السعودي في الوقت الحاضر …لماذا ؟
– انا حقيقة أتمنى أن يعمل الشباب السعودي في جميع المجالات، وأن يتفوق على نفسه ويعرف قيمة العمل ولا يكون عرضة للكسل والخمول . .. أذكر عندما كنت أميراً على منطقة نجران مرَّ بي شاب في المجلس، وقال لي: بحثت عن وظيفة ولم أجد شيئاً وطلب مني أن أساعده في الحصول على وظيفة فأجبته باستغراب بأن الأجنبي يأتي إلينا في البداية كعامل وبعد أن يتدرج يصبح (معلمًا) و ينتهي به المطاف إلى مقاول، فرد علي الشاب دون تردد قائلاً : (أنا سعودي تبغاني اشتغل بيدي) ومن هنا نجد أن ما بين (10 ــ 15)% من الشباب السعودي أمنيتهم أن يكون لديهم راتب دون عمل.
• وماذا تقول عن اختفاء الفلاح السعودي في الوقت الحاضر ؟
– لا ابالغ إن قلت إنه قبل خمسين عاماً كان الفلاح السعودي يعتبر من أنشط فلاحي العالم، و كان الناس يذهبون من بعد صلاة الفجر للعمل، وطعام إفطارهم مكون من التمر والقهوة فقط ، وفي وقت الظهيرة يكثرون من أكل التمر، وعندما يأتي العصر تقدم لهم وجبة تعتبر بمثابة الغداء والعشاء أما حاليًا أصبح كل الفلاحين من الأجانب .
• دعنا نتعرف على قصر (الغاط )… متى وكيف تم بناءه ومن هم أشهر زواره وما أهم مقتنياته ؟
– تم التخطيط لبناء هذا القصر قبل أن أترك نجران بأربع سنوات، وكان ذلك على يد أحد المهندسين الذين شاركوا في بناء الحي الديبلوماسي بالرياض، وعقب الانتهاء من إنشاء المبنى شعرت بأنه متسع جدًا ولكن بعد فترة وجدت أن هذا الاتساع مناسب جدًا . أما بخصوص أشهر الزوار الذين قدموا إلى هذا القصر فمنهم الأمير سلطان – رحمه الله – وأعجب كثيرًا بالغاط والأجواء الطبيعية بها وشرفني بالزيارة وحينها ظل يكرر القول: المملكة خيرة في كل شبر منها واستقبلت – أيضًا – المرحوم الأمير نايف لمدة ثلاث ليال، وزارني في إحدى المرات بصحبة ستين شخصًا ، ومن زواره كذلك الملك سلمان حفظه الله ، والأمير نواف، والأمير فهد بن سلطان، وغيرهم ممن تشرفت باستقبالهم، وما زلت أذكر مقولة الملك سلمان (أخوي فهد.. المكان هنا شرح لا ألومك بالبقاء هنا) . والقصر كما ترون يضم عددًا كبيرًا من اللوحات التاريخية لعصر المماليك الذي يعتبر الأكثر برزوًا في التاريخ الإسلامي وتعتبر آثارهم من أجمل الآثار حيث توجد في كل من مصر ودمشق، مثلما كان جيشهم من أقوى الجيوش في العالم وقتها، وتمكنوا من هزيمة الصليبيين، والمغول.
• جائزة الأمير خالد السديري واحدة من الفعاليات التي أصبحت تحتل مكانًا مرموقًا في الأوساط العلمية وتجد مشاركة كبيرة من أصحاب التميز بالمملكة إلى أين وصلت هذه الجائزة اليوم ؟ وهل لديكم رؤى جديدة لتطويرها ؟
– هذه الجائزة تعتبر من أقدم جوائز التفوق العلمي في المملكة، وقد لعبت دورًا مشهودًا في مجالها خاصة في نجران والسدير وقد كانت الرغبة لدى بعض أعضائها في البداية أن تكون الجائزة مقتصرة على السعوديين ولكن لجنة الجائزة رأت أن تكون الجائزة مفتوحة للجميع من مواطنين ومقيمين حتى تفتح الباب للسعوديين للتنافس مع غيرهم. وما زالت لجنة الجائزة حريصة على تحسين مستواها و تطويرها من دورة إلى أخرى بالتعاون مع جامعة المجمعة وغيرها من الجهات الأكاديمية والعلمية .