تهاني الحميري : دبي
لا يختلف إثنان على أن ما تشهده إمارة دبي من تطور مذهل في جميع المجالات و ما تتمتع به من حضور إقليمي و عالمي على المستويات الاقتصادية، والاستثمارية ، والسياحية ما هو إلا نتيجة طبيعية ومحصلة واقعية للنظرة الحضارية الطموحة التي ظل وما زال يعمل عليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة – رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي – رعاه الله – وهي طموحات لا تعترف الحدود ، وغايات تلامس الثريا .
نعم .. لقد رسم صاحب السمو حاكم دبي ملامح حضارة (دانة الخليج) بحنكة وحذاقة تامتين ، إذ جعلها منها في سنوات معدودات مثالاً ساطعاً للنهضة ، ونموذجاً يحتذى في العزيمة وقهر المستحيل لتصبح دبي محط أنظار العالم وقبلة للمستثمرين والشركات والسياح وطالبي النجاح من كل مكان ومع ذلك ظلت محتفظة بسمتها العربي الأصيل وخصوصيتها الإسلامية الراسخة . و تجسدت براعة سموه أن جعل من الإنسان محوراً مهماً لكل لبنة وضعها في هذا البنيان السامغ فدارت عجلة التحول الكبير متسلحة بالعلم والمعرفة والابتكار و الإدارة الراشدة داخل الجهات الحكومية عن طريق رفع القدرات البشرية، وتحفيز الابتكار ،والمتابعة الدقيقة لأداء الخدمات والارتقاء بها إلى درجات فاقت مصاف العالمية واستحقت وصف الريادة . والأمثلة على هذا التوجه الحضاري في دبي لا تحصى ولا تعد ولعل مركز نموذج دبي التابع للأمانة العامة للمجلس التنفيذ التي يرأسها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي مثال يسعى بين الناس وخير شاهد على مانقول .
جاء إنشاء هذا المركز إيماناً بأهمية الدور الذي يلعبه القطاع العام في دعم مسيرة النمو المستدام وتنمية الاقتصاد العالمي من أجل ضمان الاستجابة الفعالة لنظم الخدمة العامة تجاه التزامات الدولة الرامية إلى توفير حياة أفضل للمتعاملين من مواطنين ومقيمين ، وعقب دراسة مستفيضة للخدمات الحكومية في عام 2008م خلصت الأمانة العامة للمجلس التنفيذي إلى ضرورة أن تحافظ دبي على مكانتها الاستراتيجية على المدى الطويل في مجال تقديم خدمات عالمية المستوى عبر خدمات مبتكرة وجرى تطوير بنيات المركز بمساهمة فاعلة من قيادات العمل المدني وفق الدراسات الميدانية التي قامت بها الأمانة العامة للمجلس التنفيذي والتي أظهرت الحاجة الماسة لتطوير مبادرة من هذا النّوع لتساهم في إحداث التحول الإيجابي الذي تطمح إليه حكومة دبي.
يلعب المركز دوراً مهماً في توفير معلومات دقيقة عن مدى تحسّن الخدمات في حكومة دبي مما يوفر الفرصة لإجراء المقارنات المرجعيّة البنّاءة بين مختلف الجهات الحكومية، وتعزيز آليات التعاون والتنسيق سواء كان داخل الجهة الحكومية الواحدة أو بين الدوائر والهيئات بشكل عام. كما يعمل على بحث وتوثيق ونشر أفضل الممارسات في مجال تنافسية الخدمة العامة على المستويين المحلي والعالمي، ويطرح أدوات وأنظمة استراتيجية ذكية لبحث وتوثيق واقع تقديم الخدمة العامة في دبي والارتقاء به للأفضل، ويضع المركز احتياجات وتوقعات المتعاملين على رأس قائمة أولوياته عبر تطوير مواثيق الخدمة وتعهد مختلف الجهات الحكومية بالحفاظ على واجباتها تجاه المتعاملين وفقاً لمواصفات خدماتها الرئيسية وكيفية معالجة الخدمات دون المستوى بكل شفافية وموضوعية.ويوضح النموذج أفضل الممارسات في صناعة الخدمة وتحقيقها من خلال تحديد متطلبات تعريف وتصميم وتطوير واختبار الخدمة وتدقيقها، ويبيّن جميع المجالات التي تؤدي إلى تجربة متعامل إيجابية عبر جميع نقاط التواصل مع الجهة الحكومية التي تقدم الخدمة.
وفوق هذا وذاك يتميّز النموذج بتسليط الضوء على (نجوم تقديم الخدمة) معتبراً الصف الأمامي من موظفي الجهات الحكومية هم العنصر الدافع لعملية تحسين الخدمات الحكومية، والتي لا تتحقق إلا بهم ومن خلالهم، إضافة الى التركيز على ثقافة تحسين الخدمة، وتأكيد أهمية دور القيادة في بناء وتشجيع البيئة المحفّزة، وترسيخ القيم والسلوكيات التي يجب أن يلتزم بها العاملون من كل الفئات الوظيفية لتحقيق ذلك.
ولا تفوتني الإشارة هنا إلى أن سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي – رئيس المجلس التنفيذي، كان قد أطلق في عام 2013 م ما يعرف بـ (أجندة الرقم واحد) لتحسين الخدمات الحكومية ذات الأولوية التي يتم اختيارها سنوياً وفق أسس ومعايير تتضمن :وصول الخدمة إلى عدد كبير نسبياً من المتعاملين مقارنة بغيرها من الخدمات، ومدى تأثير الخدمة على مجموع خدمات أخرى مهمة في الجهة الحكومية، بجانب منح الأولوية للخدمات ذات التكلفة المتوسطة إلى العالية نسبياً و تحسين هذه الخدمات حتى ينعكس ذلك في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للجهة الحكومية، ويزيد من تنافسية الإمارة الدولية في المجالات المختلفة . وكان مركز نموذج دبي قد أعلن في دورة التحسين السابعة للعام الجاري عن 30 خدمة يجري تطبيقها بواسط 30 جهة حكومية لهذا النموذج .