علي اليامي : دبي
… عند الوهلة الأولى تملكتني الحيرة حينما عزمت على الحديث عن الأمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز وخشيت أن يكون يراعي أقل باعاً من مقام هذا الرمز السامق، وأزدادت حيرتي أكثر وأنا أدون هذه الكلمات الخجولة خشية التقصير في حق هذا الأمير الذي أجمع على حبه الناس أينما كان وحيثما رحل، ومع كل هذا وذاك فلم أجد مناصاً من نثر هذه الومضات القليلة من سفر هذا الرجل الذي كان ومازال وسيظل موضع فخر واعتزاز لكل من عرفوه عن قرب، ومن حسن حظي أننى كنت واحد من هؤلاء النفر …
… مشعل بن عبد الله هو حالة إنسانية خاصة قبل أن يكون أميراً أو إدارياً أو صاحب عطاء بلا حدود… قلبه الكبير اتسع للجميع فكان محل حب كبير دخل القلوب واستقر في النفوس ، ومن حكم تجربتي معه التي امتدت لسنوات استطيع القول صادقاً بأن الرجل استحق موقعه السامي في الوجدان.
… يعود أول لقاء لي بمشعل بن عبد الله قبل تعيينه أميراً على منطقة نجران وأذكر حينها التقيته بقصره العامر في مدينة الرياض والناس يحيطونه بالمودة وهو يفيض عليهم كرماً وتواضعاً، ولفت نظري وقتها هذا الوعي والنضج وسعة الأفق التي يتمتع بها الرجل ، وكنت في تلك الجلسة أحمل معي نسخة من مجلة ( أخدود نجران) فأبدى الأمير إعجاباً منقطع النظير بالمجلة والموضوعات المنشورة بها عن المنطقة وحضارتها وتاريخها وإنسانها وكانت بالفعل لحظات عصية على النسيان، وتأكد لي من هذا اللقاء أن نجران موعودة بخير غير مسبوق، وصدق ظني وكان الرجل عند الموعد طوال فترة توليه إمارة نجران.
…إن نجاحات مشعل بن عبد الله في نجران نموذج يستحق أن يقف عنده كل صاحب بصيرة، بل هي قصة جديرة بالدراسة والتمعن في تفاصيلها، وهي بلا شك فترة شكلت قاعدة صلبة لخلفه الميمون صاحب السمو الأمير جلوي بن عبد العزيز وسموه نائبه تركي بن هذلول بن عبدالعزيز المدعومان بقيادتنا الرشيدة – حفظها الله – ولعل ما تحقق من إنجازات، ومشاريع تنموية، واقتصادية، وتعليمية، وصحية، واجتماعية إبان فترة توليه إمارة نجران لا تحتاج إلى شهادة مني أو من غيري فهذه الإنجازات تشهد على أن الرجل لم يدخر فكراً ولا جهداً ولا وقتاً من أجل تطوير كافة المجالات في المنطقة.
… تفاصيل وتفاصيل مازالت رطبة في الذاكرة منها لقائي مع سموه برفقة الأخ العزيز مساعد العثمان .. ترحيب الأمير الفياض بي في تلك الجلسة كسر كل الحواجز البروتوكولية وأذاب جليد المواقع الرسمية .. كان بسيطاً كعادته، ودوداً في استقباله، ومتواضعاً في حديثه ، يسمعك بآذان شتى ويقربك إليه حتى تظن أنك صديقه الوحيد، ويدفعك أن تقول ماتريد دون توجس أو تردد.. قلت له ساعتها : إن نجران تنتظر قدومك من أجل واقع جديد فتبسم وقال لي 🙁 أنا رجل دولة وكل فكري وجهدي هو لخدمة وطني ويشرفني خدمة نجران وأهل نجران حتى أكون عند ثقة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ونحن جميعاً يجب أن نكون صفاً واحدة لخدمة هذه المنطقة وتطورها )..
وهكذا كان حال الأمير مشعل بعد عام من تسلم مهامه أميراً على نجران حين صرح لي قائلاً بالحرف الواحد: (يا علي إن أهل نجران مسؤولين أمام قيادتهم، و وطنهم،ودينهم) وحين أرسلت التصريح إلى أستاذي قينان الغامدي رئيس تحرير صحيفة الشرق ما كان منه إلا أن وضعه هذا خطاً رئيسياً على الصحيفة صباح اليوم التالي.. وهكذا تكررت اللقاءات والتصريحات وكان دائماً الأمير مشعل قريباً من الناس والإعلام وكل شرائح المجتمع.
.. ومن المواقف التي ستظل محفورة في الوجدان تلك الفرحة الطاغية التي لمستها حين أتصل بي الأمير مشعل بن عبد الله وأنا في مجلس الدكتور عبد الرحمن المشيقح من مقر إجازته بفرنسا ليبلغني خبر العفو عن السجين هادي المطيف من الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز – طيب الله ثراه- وقال لي ( يا علي سنحتفل قريباً بزواج هادي آل مطيف .. طويل العمر عفى عنه ) .. وسارعت مباشرة للاتصال برئيس التحرير قينان الغامدي وبالفعل كان الخبر يتصدرالصفحة الأولى في اليوم التالي كما وعدني الغامدي. ولم يكتف الأمير مشعل بذلك بل قام شخصياً بتبلغ كل أصدقائه في نجران بخبر العفو. وحين أنتقل الشيخ عبد الله المكرمي إلى رحمة مولاه حزن الأمير مشعل حزناً عميقاً ونعاه لي بكلمات تنم عن إنسانيته وصدق مشاعره.و رغم أنه كان وقتها أميراً على مكة فإن نجران وأهل نجران كانوا حاضرين معه في كل الأوقات.
.. والمواقف الإنسانية لا تنتهي مع الأمير مشعل بن عبد الله فهو كما صدرت في بداية هذا المقال – المتواضع- حالة إنسانية خاصة ومشاعره مبذولة لكل الناس، ويده الكريمة تسبق أقواله ولست في حاجة إلى تفصيل أكثر في هذا الجانب لأن هذه طبيعة الرجل ومازال هو عليها رغم ابتعاده عن المناصب الرسمية.
.. أما علاقة الأمير مشعل بن عبد الله بالإعلام والإعلاميين فهي قصة أخرى من روائع التعامل مع الآخر. كان حريصاً كل الحرص على متابعة ما يكتب في الصحف وما ينشر في جميع وسائل الإعلام عن المنطقة ولا يضيق ذرعاً بالصحفيين بل جعل أبوابه مشرعة أمامهم في كل الأوقات لتلقي المعلومات الحقيقية من الإمارة وكان الداعم الأكبر لهذه الشريحة طيلة فترة وجوده في نجران، وأنا أول الشاهدين على مواقفه الإيجابية تجاه الصحفيين والإعلاميين.
.. ومثلما بدأت فإن الحديث عن رمز في منزلة الأمير مشعل بن عبد الله هو مهمة صعبة والتصدي لها دائماً محفوف بالتقصير ولكنها مجرد عناوين أردت أن أسجلها في هذه العجالة فالرجل أكبر من ذلك بكثير.

1 تعليق
فيصل الهوساوي
الله يحفظه ويطول بعمره صاحب الأيادي البيضاء اقتحم القلوب وملكها
وعمر الأرض والإنسان
هو عبارة عن مجلد إنجازات
حتى أكاد أجزم انه أصبح لنجران راية المجد