تقرير : محمد محمد نور
تكتسب الحرف اليدوية والأشغال التقليدية والتراثية بمختلف أصنافها ومسمياتها أهمية خاصة لدى جميع شعوب العالم ، وعبر التاريخ ظلت هذه المهن تمثل مصدراً اقتصادياً مهماً عند هذه الشعوب بجانب رمزيتها الاجتماعية داخل المجتمعات في الماضي والحاضر ومن هنا تعمل كثير من دول العالم على بذل جهود كبيرة لتطوير هذا القطاع وضمان استمرار منتجاته وتنويعها ؛ إلا أن هذه المهن تواجه واقعاً مختلفاً في بلادنا العربية يرى فيه كثير من الباحثين والمهتمين ربما يؤدي إلى انقراضها .
( الجودة ) خصصت هذه المساحة لتسليط الضوء على واقع المهن الحرفية والصناعات التقليدية في الوطن العربي والمعوقات التي تعترض سبيل نموها وتطورها .
صورة عامة
تشير أرقام حكومية إلى وجود 2040 منشأة تعمل في الحرف اليدوية والتقليدية بجمهورية مصر العربية وأن هذه المنشآت توفر أكثر من 32 ألف فرصة عمل ، وأن أكثر من 300 ألف يعملون في هذا القطاع بتونس الذي تدر عائداته ربع مليار دينار سنوياً ، وتورد هذه الاحصائيات أن 38% من أهل العاصمة اليمنية صنعاء يعملون في إنتاج المصنوعات التقليدية، وأن مدينة صنعاء نفسها اكتسبت اسمها من هذه الصناعة خاصة أعمال التحف النحاسية وأعمال الفضة والخشب المعشق وأعمال النحاس والنسيج والجلود والسيوف والخناجر المرصعة بالجواهر إلا أن غالبيتها مهددة بالتلاشي . وفي لبنان تقول الاحصائيات إن 60% من أصحاب ورش تصنيع الأحذية والصابون اغلقوا محالهم وهاجروا إلى خارج البلاد بسبب الصعوبات التي يواجهونها في مجالهم وعدم اهتمام الموؤسسات لهذا القطاع . و الحال مثله في قطر وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية حيث تنتشر المهن الحرفية وصناعات المشغولات التقليدية والأعمال اليدوية في مجالات المنسوجات والصناعات الخشبية والحديدة والحرف التراثية . ومع هذه الأهمية الاقتصادية والاجتماعية ظلت هذه المهن واصحابها يعانون في جميع الدول العربية من نقص التدريب وارتفاع تكاليف المدخلات وصعوبات التسويق الداخلي والخارجي في ظل المنافسة الشديدة التي يواجهونها من قبل الصناعات المستوردة في هذا المجال . ومن هنا تبرز أصوات المهتمين بهذه المهن المنادية بضرورة بذل مزيد الاهتمام بهذا القطاع الحيوي في منظومة العمل والاقتصاد بهذه الدول قبل أن تقع فريسة الاندثار والتقهقر وسط التطور السريع الذي تشهده البدائل الحديثة .
مفاهيم ومقترحات
يقول عضو مجلس الشورى السعودي السابق و رئيس مجلس إدارة شركة الوسائل الصناعية والباحث في التراث الدكتور عبد الرحمن عبد الله المشيقح في حديثه مع (الجودة) حول الموضوع إن المهن اليدوية والحرف والاشغال التقليدية لم تكن معروفة لدى العرب قبل الإسلام وبعده رغم أن الإسلام حث على العمل اليدوي إلا أن هذا المفهوم ظل سائداً حتى وقتنا الحاضر وما زال كثير من العرب يجهلون قيمة وأهمية هذه الأعمال لذلك هناك دور كبير يقع على الجهات المختصة إزاء تطوير هذا القطاع وتشجيع الشباب على الانخراط في ممارسة هذه المهن في ظل الانتشار الواسع لوسائل التقنية الحديثة حالياً ، وأشار المشيقح إلى أن هذه المهن تجد اهتماماً خاصاً حتى في الدول الصناعية الكبرى لمساهمتها الفعالة ضمن الاقتصاديات الوطنية بهذه الدول خاصة في مجال التحف والسجاد والمفارش ولعب الأطفال ،ويسوق مثالاً على أهمية هذه الحرف بدخولها في انتاج كثير من مكونات السيارات والطائرات مثل الزينة والتجليد وأعمال الديكور والمفارش ومن هنا يرى أن المطلوب أن تمتد رعاية الدول العربية إلى هذا القطاع الانتاجي المهم عن طريق تقنين وتطوير مراكز التدريب وتوفير المدخلات الانتاجية اللازمة وتحسين صورة هذه المهن لزيادة أعداد الراغبين في ممارستها بين الشباب وتوسيع فرص المنافسة للمنتجات الحرفية . وصنف المشيقح مجالات هذه المهن في قسمين رئيسين أولهما : المشغولات والأدوات والأواني التراثية وهذا – حسب قوله – تقع مسؤولية تطويره على إدارات السياحة في كل دولة ويجب دعمه بالقروض الميسرة من الجمعيات التعاونية عبر حاضنات تمويلية محددة والقسم الآخر مختص بالتقنية لانتاج الأدوات والأجهزة الصغيرة وقطع الغيار وهذه يجب رعايتها من قبل الجهات المختصة بالدولة من وزارات ، ومؤسسات وغرفة تجارية وصناعية من خلال حاضنات لرعاية الأعمال اليدوية والحرفية بصورة عامة وتسويق منتجات هذه الحاضنات وتذليل كافة المعوقات التي تعترض طريقها .
وفيما يلي الدور الذي يمكن أن تلعبه مؤسسات التعليم العام والعالي في تطوير هذه المهن يرى دكتور المشيقيح أن الجامعات تقع عليها مسؤولية ادراج تخصصات تشمل الحرف اليدوية والصناعات التقليدية بجانب التوسع في التعليم المهني والتقني واتاحة الفرصة أمام الخريجين من المعاهد والمدارس التقنية لمواصلة دراستهم الجامعية وزيادة التوجه العام للتعليم نحو هذا النمط الدراسي حتى تتوفر كوادر مؤهلة من الأساتذة والمدربين في هذا المجال مستقبلاً ونتمكن من ازالة المفاهيم السالبة عن هذه المهن .
مهن معتمدة
يرى مدير دائرة الموارد البشرية في مجلس الشورى بسلطنة عمان مسعود بن خلفان المجرفي أن المهن الحرفية تشكل رافداً مهماً للاقتصاد في جميع الدول بجانب أهميتها الاجتماعية كما أنها توفر فرص عمل واسعة للشباب من الجنسين لذلك فإن الاهتمام بها أمر يندرج تحت مسؤولية الدولة قبل الجميع ويشير المجرفي إلى أن سلطنة عمان بدأت مؤخراً تولي اهتماماً خاصاً بهذا القطاع حيث اصدر السلطان قابوس بن سعيد أمراً سامياً بإنشاء كلية الأجيال لتدريس المهن الحرفية والتقليدية ، ويؤيد المجرفي فكرة ادراج مقررات خاصة بهذه المهن ضمن برامج التعليم الجامعي ومنح الدارسين شهادات البكالريوس في هذه التخصصات حتى يصبح ممارسو المهن الحرفية والأشغال التقليدية أكثر تقنيناً واعتماداً في أعمالهم .
رؤية علمية
يقول المهندس الاستشاري عبد الله عبد المحسن الشايب في دراسة أعدها لمصلحة مراكز التدريب الحرفية بالمملكة العربية السعودية إن الصناعات الحرفية كانت تمثل عصب الحياة الاقتصادية في المملكة عبر التاريخ ؛ إلا أنها بدأت في التراجع خلال العقود الماضية بسبب انخفاض الانتاج الكمي ومعدلات الدخل وعدم تمتع الممارسين لهذه المهن بأي ميزات تجارية أو قيمة إضافية تشجعهم على الانتاج كما أن دخول الآلة والبدائل الصناعية شكل منافساً قوياً لهذه الشريحة . ويمضي الشايب موضحاً بأن التعامل مع هذه المهن يجب أن يكون من منظور المحافظة عليها واعتبارها صناعة توفر وظائف من خلال التشغيل والتسويق ، ويرى أن الصناعات الحرفية في المملكة مازالت في الإطار الفردي و هذا يعني أنه لا توجد روابط أو تنظيم يخلق تفاعلاً بين العملية الإنتاجية و التسويق وهذا بدوره يؤدي إلى انخفاض الانتاج والعائد – حسب رأيه . وانتهى الباحث إلى جملة من التوصيات التي تهدف إلى النهوض بالصناعات الحرفية وتفعيل دورها الاقتصادي والاجتماعي من بينها ايجاد آلية لدعم هذه الحرف والصناعات ، والسعي لزيادة تراخيص اعتماد المراكز الحرفية في مختلف المناطق ، وتوفير الفرص أمام الصناعات الحرفية المميزة للمشاركة في المعارض الداخلية والخارجية ، و توسيع الاهتمام بالتعاون المشترك فيما يخص هذه الصناعات داخل الدول الخليجية والعربية ، إضافة إلى نشر ثقافة العمل الحرفي وزيادة المراكز والمعاهد والكليات المتخصصة في هذا الضرب من التعليم.