محمد الغامدي
منذ ما يقارب الثلاثين عاما، كنت أميل إلى مشاهدة الأفلام الأمريكية، وكان الصراع بيني وبين أخي الأكبر مني على فيلم الليلة، حيث أنه يميل إلى الأفلام المصرية والهندية.. هذا التأثير كان يجعلني أسخر منه كثيراً، وعندما كنت أشاهد معه فيلماً مصرياً كنت أردد كلمة ” المخرج عاوز كدا” بل إنني كنت أردد هذه المقولة منذ مسلسل عادل إمام ” أحلام الفتى الطاير” أي وأنا ما زلت في المتوسطة أو الثانوية.. هذه السخرية أو هذا التأثير، وبعد دراسة في الإعلام، وقراءات عديدة في المجال السياسي وفي المجال الثقافي، جعلتني أتنبه إليه، أي التأثير، وأتساءل كثيراً: لماذا لا يوجد لدينا هوليوود أو بوليوود أو مركز …مصر….. ننتج من خلاله الأفلام التي تتواءم وطبيعة مجتمعنا.. إذ إن تأثير الأفلام كـ ” قوة ناعمة ” يجعل الكثير ينجذب إلى الدولة المنتجة.. في داخل الأفلام الأمريكية نجد الصراع من أجل خلق جو يسوده العدل، ليقترن الفيلم مثلاً بمحاكمات، ويصور لنا المحامين وهم يدافعون عن المتهم، حتى ولو كان مع رئيس الدولة، وحتى لو كان تمثيلاً، ولكنه يعكس صورة عن القانون الذي تنتجه أمريكا، وبالتالي يؤثر في مشاهديه بأن هذه دولة القانون، ويجعل المشاهد يفكر في أنه يجب أن تكون دولتنا مثلها.
ولكن المفاجأة التي جعلتني أغيّر هذه النظرة هي ظهور الحلقات الرمضانية التي اتخذت منحى الكوميديا لتحيلها إلى حالة من الضحك فقط، دون تأثير، ودون العمل على أن تكون هذه المسلسلات تعكس صورة السلام أو تعكس القيَم والمُثُل الحقيقية للمجتمع.. فتوقفت عن التفكير في ذلك.
والنموذج الذي يؤكد هنا قوة الأفلام وتأثيرها هو أنه ” عندما سقطت حكومة طالبان طار وزير خارجية الهند إلى كابول كي يرحب بالحكومة المؤقتة الجديدة، على متن طائرة لم تكن محملة بالأسلحة أو الأغذية، بل كانت محشوة بأشرطة سينمائية وموسيقية من بوليوود، تم توزيعها بسرعة فائقة في سائر أنحاء العاصمة الأفغانية” وهو بهذا وجه رسائل نحو المجتمع الجديد في أفغانستان كي ينساق وراءه، وكي يتأثر بالثقافة الهندية، ويسايرها ويقلدها.
إن عوامل التأثير عبر السينما أو عبر الأفلام كبيرة جداً ومع ذلك فإن من يتحدث عن الغزو الفكري، لا يتحدث بشمولية عن هذا الغزو، فالغزو ليس عبر كتاب أنشره أو مقالة أكتبها أو شريط أوزعه أو (سي دي)..بل إن تأثير الحواس الذي يرافق مشاهدة الفيلم يختلف عن البقية جميعها، ويلمُّ بكافة الحواس والتأثير أقوى من هذا الباب.
إن على الكتاب والمثقفين أن يخرجوا من قوقعتهم وتأثرهم، ويرسموا للعالم العربي أفكارهم التي يصدرونها للعالم، وليس لحكوماتهم، لأن تصديرك لمثل هذه الأفكار سيزيح عنك فكرة أن تبقى منغلقاً على الداخل، وسيمنحك القدرة على الرؤية بشكل أشمل، بأنه لديك رسالة يجب أن يراها العالم أجمع، وأن تحتوي على ما يعكس قيم مجتمعك.. ولتكون ضمن جوقة ” القوة الناعمة”
