الجودة : التحرير
منذ استقلالها عن فرنسا عام 1956م ارتبط شهر يناير في تونس بأحداث وتحركات كان لها أثرها المباشر على الحياة السياسية شكلت حاضنة الوعي الجمعي للناس في هذا البلد العربي – الأفريقي الصغير ولعل الأحداث التي وقعت في هذه الدولة عقب المظاهرات والإحتجاجات وأعمال الشغب التي شهدتها عدد من المدن والحواضر التونسية في أعقاب إعلان الميزانية الجديدة للدولة التي أدت إلى إرتفاع أسعار الإحتياجات الضرورية لعلها حلقة أخرى من من مشاهد ( الغضب) التي ظلت تنفجر خلال هذا الشهر حتى أصبح موعداً ثابتاً للثورة في تونس.
مشهد أول
عرف السادس والعشرين لشهر يناير من العام 1978م صدامات عنيفة بين الإتحاد التونسي للشغل (المركزية العمالية) ونظام الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة (1957- 1987) وهو ما أطلق عليه البعض ( الخميس الأسود) حيث تحول الإضراب العام الذي أعلنه الإتحاد وقتها إلى إحتجاجات رافضة لسياسات حكم بورقيبة ورغم أن تفاصيل ذلك اليوم مازالت طي الكتمان إلا أن روايات المعتقلين والذين واكبوا الأحداث والتقارير المستقلة أشارت إلى سقوط 400 قتيل وإصابة أكثر من 1000 شخص فيما تحدثت حكومة بورقيبة عن مقتل 52 وإصابة 365 شخص فقط.
إنتفاضة الخبز
في أواخر ديسمبر عام 1983م أصدرت حكومة بورقيبة قراراً بزيادة سعر عجين الخبز بنسبة 70% ودخل هذا القرار حيز التنفيذ في الأول من يناير عام 1984م الأمر الذي أدى إلى سلسلة من التظاهرات والمصادمات بالجنوب التونسي بين المواطنين وقوات الأمن أمتدت عدواها إلى الأحياء الفقيرة من العاصمة تونس التي شهدت مظاهرات غاضبة ضد السلطة تواصلت لثمانية أيام وخلفت مئات القتلى وآلاف الجرحى ومع ذلك تحدثت المصادر الرسمية عن 84 قتيلاً و900 جريح وأطلقت الحكومة حملات واسعة من الإعتقالات وشكلت محاكمات صورية شملت النقابيين واليساريين والإسلاميين.
أحداث الحوض
يناير 2008م كان موعد غضب آخر في تونس وذلك حين شهدت مدن الحوض المنجمي بمحافظة قفصة ( جنوب – غرب البلاد) إحتجاجات شعبية دامية إنطلقت شرارتها من منطقة الرديف بسبب الإعلان عن نتائج إختبار وطني لشركة فسطاط قفصة أعتبره السكان خضوعاً للمحسوبية وعقلية الولاءات وتحولت موجة الإحتجاجات لشمل مدن أخرى تواصلت لستة أشهر واجهتها قوات الأمن بقمع شديد نتج عنه 4 قتلى وعشرات الجرحي ومئات المعتقلين. البعض إعتبر تلك الإحتجاجات مثلت البذرة
الأولى للثورة التونسية ضد نظام الرئيس بن علي في عام 2011م.
ثورة الياسمين
في السابع والعشرين من ديسمبر عام 2010م ضرب الشاب محمد البوعزيزي موعداً جديداً للثورة التونسية حين أحرق نفسه إحتجاجاً على مصادرة مصدر رزقه من قبل الشرطية فادية حمدي بمحافظة سيدي بوزيد وسط – غرب تونس وفي الخامس من يناير توفى البوعزيزي متأثراً بالحروق البالغة فأنطلقت إحتجاجات ومظاهرات وصلت حتى العاصمة ثم عمت كل البلاد وقابلتها أجهزت الأمن بقمع وحشي أسفر عن سقوط مئات من القتلى والجرحى ولكنها أجبرت الرئيس زين العابدين بن علي إلى التنازل عن السلطة والهروب إلى خارج البلاد ودخولها في أول عهد ديمقراطي شكل بداية إنطلاق الربيع العربي.
مشهد أخير
يناير الجاري لم يكن إستثناءً في مسيرة الغضب التونسي فمنذ الأثنين الماضي تشهد البلاد مظاهرات ليلية إحتجاجاً على الميزانية التي أعلنتها وزارة المالية وتضمنت مزيداً من الأعباء الاقتصادية على الطبقات الفقيرة أنطلقت هذه المرة من محافظة القصرين ( وسط – غرب البلاد) وأنتشرت في 15 مدينة أخرى بما فيها أحياء من العاصمة تونس كما شهدت مواجهات مع قوى الأمن وتصاعدت وتيرتها حتى أجبرت الحكومة على نشر وحدات من الجيش في عدد من النقاط الاستراتيجية والمرافق الحيوية ومع أن الإحتجاجات الحالية خلت من وقوع قتلى إلا أنها شهدت حالات شغب وسرقات لممتلكات عامة وخاصة كما تقول الحكومة.