بقلم/ نزار عبد الخالق
ما أروع أن يتحدث التاريخ عن عاشق التاريخ، وأن تروي الصفحات سيرة من ساهم في حفظ ماضي أمته وصنع حاضرها، واستشرف مستقبلها بعين الحكمة والبصيرة، وأن تتبارى في ذلك أقلام الباحثين والمفكرين؛ لتكتب عن قائدٍ استثنائي جمع بين فكر المؤرخ وحنكة الحاكم، فكان شاهدًا على التاريخ وصانعًا له في آنٍ واحد.
صدر عن “دار الثلوثية” كتاب “الملك سلمان بن عبد العزيز في عيون الباحثين العرب”، من جمع وإعداد الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله المشيقح، المؤلف والكاتب والمفكر والأديب السعودي، وقد قدم لهذا الكتاب الماتع، أمير العلم والفكر والثقافة والمعرفة الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود أمير منطقة القصيم، قائلًا: “إنه لمن السعادة بمكان أن أنبري لتقديم عملا قيما ذو صبغة تاريخية أدبية يتحدث عن شخصية استثنائية لها في قلبي وقلوب كل العرب والمسلمين مكانة عظمية، شخصية قائد فذ، اجتمع فيه إرث التاريخ وحكمة الحاضر ورؤية المستقبل، صاغ التاريخ بفكره وإرادته، وأرسى قواعد نهضة جعلت من المملكة العربية السعودية نموذجًا للتقدم والتنمية المتوازنة، سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أيده الله”.
وكتاب الدكتور عبد الرحمن المشيقح هو عمل ثقافي ومعرفي رفيع، يجمع بين البعد التاريخي والتوثيقي، وبين العمق الفكري في تناول شخصية قيادية بحجم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله – الذي شكّل بحكمته وإرادته رمزًا للقيادة المتوازنة، ونموذجًا للنهضة المتكاملة التي جمعت بين الأصالة والتحديث.
ويمثل هذا الكتاب إضافة نوعية للمكتبة العربية، إذ يعرض من خلال مجموعة من البحوث المختارة رؤى نخبة من الباحثين والمفكرين العرب الذين تناولوا شخصية الملك سلمان في سياقات متعددة: سياسية، ثقافية، حضارية، وإنسانية. فجاء الكتاب بمثابة مرآة فكرية تعكس تقدير المفكرين العرب لقائدٍ جمع بين التاريخ والحاضر، واستشرف بوعيه آفاق المستقبل.
وإن من جميل هذا الكتاب أنه جمع بين طياته بحوثا تاريخية تناولت سيرة وتاريخ الملك سلمان، ليس بصفته ملكًا وقائدًا سياسيًا بارزًا فحسب، بل أيضًا كمؤرخ شغوفٍ بالتاريخ والتراث، حتى لُقِّب بـ “شيخ المؤرخين”. فقد أولى – أيّده الله – تاريخ الجزيرة العربية عناية خاصة، فجمع بين حفظ الماضي ورعاية الحاضر، فكان مرجعًا للباحثين والمؤرخين، مسهمًا في حفظ وتوثيق التاريخ السعودي، وداعمًا للمشاريع العلمية التي تُبرز أمجاد هذه البلاد المباركة، فما أروع أن يسجل التاريخ سيرة من عشقوه وأخلصوا له!
وقد جاءت فكرة الكتاب ضمن مسابقة الدكتور عبد الرحمن المشيقح الأدبية في فرعها التاريخي، والتي فتحت الباب أمام أقلام الباحثين العرب للتعبير عن إعجابهم وإيمانهم بإنجازات الملك سلمان، واستلهام تجربته القيادية التي أرست دعائم التنمية المستدامة، ورسّخت مكانة المملكة في مصاف الدول المتقدمة، محافظةً في الوقت ذاته على هويتها الراسخة وأصالتها الثقافية والدينية. حيث انطلقت مسابقة الدكتور عبد الرحمن المشيقح الأدبية إيمانا منه بأهمية تعزيز مكانة اللغة العربية وآدابها في هذه الحقبة الزمنية المفتحة على العالم، وقد أصبحت هذه المسابقة عنوانا للتميز الأدبي للناطقين باللغة العربية أينما كانوا، وميدانا رحبا للتنافس واكتشاف المواهب، وبوابة نحو الإبداع من خلال فروع المسابقة الأربعة (المقال الأدبي، القصة القصيرة، القصيدة العربية، فرع التاريخ).
وإن الدكتور المشيقح أراد أن يقدم عملاً لا يكتفي بالتوثيق التاريخي، بل يسعى إلى استلهام القيم القيادية والفكرية التي جسّدها الملك سلمان، ليكون الكتاب شاهدًا على مرحلة زاخرة بالمنجزات والتحولات الكبرى التي شهدتها المملكة في عهده الميمون، وخصوصًا في ظل رؤية السعودية 2030 التي مثلت نقطة تحول مفصلية في مسيرة الوطن.
يضم الكتاب مجموعة من البحوث التي تناولت شخصية الملك سلمان من جوانب متعددة، منها:
– شخصية الملك سلمان بن عبد العزيز وجهوده وعطاءاته المحلية والعربية والعالمية)
– الملك المفدى “سلمان بن عبد العزيز”
– جهود الملك سلمان بن عبد العزيز لتطوير المملكة رؤية السعودية 2030م
– “سلمان الخير…وُلِدَ ليكون ملكًا” دراسة تاريخية توثيقية لسيرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز “حفظه الله” .
– جهود الملك سلمان في رعاية العلم والعلماء.
– جهود الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في تحقيق النهضة والتنمية بالمملكة العربية السعودية.
– الإنسانية في نظام حُكم وشخصية الملك سلمان بن عبد العزيز رؤية 2030: قيادة وريادة.
-الحركة الفكرية والثقافية والعلمية بالمملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز.
– الملك سلمان: الحاكِم والمُفكِّر وإحياء المَجد التليد .
ويستشعر القارئ من خلال صفحات الكتاب أن شخصية الملك سلمان ليست مجرد موضوع دراسة تاريخية، بل هي مدرسة في القيادة والرؤية والإدارة، تتجلى فيها الحكمة في اتخاذ القرار، والحنكة في معالجة القضايا، والرؤية الاستشرافية التي توازن بين القيم والثوابت ومتطلبات العصر.
ويُحسب للدكتور المشيقح قدرته على الجمع بين المنهج العلمي الرصين في التوثيق والتحليل، وبين الحس الإنساني في إبراز القيم التي شكّلت جوهر القيادة السلمانية. فالكتاب لا يوثق سيرة فحسب، بل يُسجّل تجربة حضارية كاملة، جعلت من المملكة العربية السعودية نموذجًا فريدًا في الاستقرار والبناء والتنمية.
وفي ختام الكتاب تظهر روح الوفاء والاعتزاز، إذ يتوجه المؤلف بالشكر لكل من أسهم في إعداد هذا العمل، مؤكدًا أن الملك سلمان بن عبد العزيز سيظل مصدر إلهام للأجيال، وأن سيرته ستبقى نبراسًا يضيء درب الباحثين والمفكرين والمؤرخين، لما تحمله من معانٍ سامية في الإخلاص والقيادة والعطاء.
لقد جاء هذا الكتاب ليؤكد أن الكتابة عن القادة العظام ليست توثيقًا لأحداث، بل وفاء لفكر، واعتراف بفضل، وإضاءة لطريق الأجيال. ومن هنا، فإن “الملك سلمان في عيون الباحثين العرب” ليس مجرد عمل تأريخي وحسب، بل رسالة محبة وولاء تعبّر عن مكانة القائد في وجدان أمته.









